ثم فيه دلالة أنه إنما يجنبها ويقيها بالأعمال التي يعملها؛ فدل أن لله - تعالى - في أفعالهم صنعا، حيث أضاف الوقاية إليه والتجنب عنها، وهو كقوله:(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
أي: ما لأحد عند اللَّه تعالى من نعمة يجزى بها ولا بد أن يستحق الثواب بها، لكن إذا أدى نعمة من نعم اللَّه - تعالى - التي أعطاها إياه لغيره؛ ابتغاء وجهه، وطلب رضاه - يجزيه بفضله؛ كأنه كانت له عنده نعمة يجزى بها.
والثاني: يحتمل أن هذا صلة قوله: (يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)، أي: يتصدق ويتزكى؛ لابتغاء وجه اللَّه - تعالى - على من ليس عنده نعمة ويد يجازيه بها وينفق عليه جزاء لصنيع قد سبق منه في حقه؛ كأنه يقول: لا يعطي الزكاة أحدًا عن مجازاة لما سبق منه إليه من نعمة؛ إنما أعطاها له لا مجازاة، ولكن لله تعالى خالصا.
وفيه دليل ألا يعطي الرجل زكاة ماله من عنده له نعمة أو منة؛ لأنه يخرج ذلك مخرج الإعطاء ببدل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى (٢١) أي: يرضى بالذي يجزى به، ويساق إليه من الثواب. وحرف أو " سوف " والـ " عسى " من اللَّه تعالى واجب؛ كأنه يقول: يعطيه حتى يرضى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت هذه الآية - وهي قوله عَزَّ وَجَلَّ:(وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) - في أبي بكر الصديق، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذه الآية نزلت في أبي الدحداح - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طلب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - منه نخلة - إلى آخر القصة.
وقال بعض أهل الأدب: تردى في النار، أي: سقط، ويقال: تردى: تفعل، من الردى، وهو الهلاك، و (إِذَا تَجَلَّى): إذا بدا، واليسرى من التيسير، والعسرى من التعسير، واللَّه أعلم.