فعند ذلك سأل ربه النظرة إلى يوم القيامة؛ ليغوين عباده، وعلم اللعين: أن طاعة خلقه له لا تزيد في ملكه شيئًا، وعصيانهم لا ينقص في ملكه شيئًا. لذلك قال:(لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ)، (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ)، (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ)، وما ذكر.
أحدهما: على التمكين له ذلك والإقدار على ما ذكر، أي: مكن له ذلك، وأقدر عليه؛ لخذلانه إياه لما عصى ربه وترك أمره؛ لما رأى أمره بالسجود لآدم جورًا منه، حيث قال له:(وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ). مكن له ذلك، لتتم له اللعنة والخذلان.
والثاني: قال ذلك له على التوعد والتهدد؛ ألا ترى أنه ذكر هذا على أثر وعيد، وهو قوله:(فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا)، فيخرج على إثر ذلك مخرج الوعيد له ولمن تبعه وأجابه، كقوله:(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، لهذا وإن كان ظاهره أمرًا فهو وعيد؛ فعلى هذا قوله:(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) فإن لك ولمن تبعك كذا.
أو لما ذكرنا من التمكين له ذلك والإقدار على ذلك ليتم له اللعنة والخذلان.
والثاني: قال ذلك الذي لعنه، وإلا لا يجوز أن يكون اللَّه يأمره بما ذكر أن يخرج الأمر بما ذكر مخرج سفه والأمر بالفحشاء، وقد أخبر أنه: لا يأمر بالفحشاء والمنكر، وإنما يأمر بالعدل؛ كقوله:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)، وقوله:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)؛ فلو حمل هذا على الأمر لكان أمرًا بالفحشاء والمنكر فدل أنه يخرج على أحد الوجهين اللذين ذكرناهما، أو على الاستبعاد والإياس عن أن يملك أو يقدر عليهم بما ذكر إلا من اختار منهم اتباعه، وهو ما ذكر:(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ. . .) الآية. واللَّه أعلم.