وقال أَبُو عَوْسَجَةَ:(وَاسْتَفْزِزْ)، أي: استخف، أي: دعاه فأجابه وأمره فأطاعه؛ وعلى هذا يخرج قوله:(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)، أي: أمرهم فأطاعوه، أو دعاهم فأجابوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِصَوْتِكَ).
يحتمل وجوهًا ثلاثة:
أحدها: على حقيقة الصوت، يكون له صوت يدعو الناس به، فيسمع ذلك الصوت النفس الخفية التي تكون في هذه النفس الظاهرة الكثيفة، ولا تسمعه النفس الظاهرة، على ما يخطر أشياء بالقلب من غير أن يعلم به الإنسان أنه من أين جاء؟ ومن أين هيجانه؟ وعلى ما يقذف ويوسوس أشياء في القلوب من غير أن يعلم ذلك ويطلع عليه؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون له صوت يدعو الناس به، وإن كنا لا نسمعه؛ لكنه يسمع النفس الخفية بما يسمع النفس الظاهرة، وبها نبصر - أعني: بالنفس الخفية - ألا ترى أن النائم يرى أشياء ويكون في أقصى الدنيا، ونفسه الظاهرة ملقاة هاهنا؛ فذلك كله بالنفس الخفية.
والثاني: على التمثيل، ليس على تحقيق الصوت، لكن ذكر الصوت؛ لما بالصوت يوصل إلى إعلام بعضهم بعضًا، وبه يدعو بعضهم بعضًا عند البعد؛ فذكر الصوت له مكان الوسوسة التي يوسوس الناس أشياء من بعد، ويدعوهم به إلى معاصي اللَّه - تعالى - وكذلك قال الحسن في قوله:(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ): من بعد من غير أن كان هنالك تقرب منه.
والثالث: على إضافة عمل كل عاص من نحو الغناء والمزامير وغيره، أو ما يضاف عمل كل طاغ وكل ضال إليه؛ أضيف ذلك إليه كما أضاف إليه موسى حيث قال:(هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، وقوله:(وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ)، ولم يكن ذلك عمل الشيطان حقيقة، ولكن قال ذلك وأضافه إليه؛ لما بأمره ودعائه يعمل ذلك.