أو إذا كانت السماوات والأرضون والجبال مع طواعيتها لربها لا تقوم لها وأفزاعها بل تتقطع، فكيف يقوم لها الآدمي الضعيف مع خبث عمله، وكثرة مساوئه مع ربه؟!.
فيذكرهم هذه الأحوال؛ ليخافوه، ويهابوه؛ فيستعدوا له؛ فلهذا - واللَّه أعلم - ذكرت الأحوال التي عليها حال ذلك اليوم، ولم يبين متى وقته؛ ولهذا ما لم يبين منتهى عمر الإنسان؛ ليكون أبدا على خوف ووجل من حلول الموت به؛ فيأخذ أهبته، ويشمر له، ولو بين له كان يقع له الأمن بذلك؛ فيترك التزود إلى دنو ذلك الوقت، ثم يتأهب له إذا دنا انقضاء عمره.
ثم إن اللَّه - تعالى - ذكر أحوال القيامة في غير موضع، وجعل ذلك مترادفا متتابعا في القرآن؛ فيكون في ذلك معنيان:
أحدهما: أن للقلوب تغيرًا وتقلبا في أوقات، فرب قلب لا يلين لحادثة أول مرة حتى يعاد عليه ذكرها مرة بعد مرة، وحالا بعد حال، ثم تلين؛ فيكون في تتابع ذكر البعث والقيامة مرة بعد مرة إبلاع في النذارة وقطع عذر المعتذرين يوم القيامة.
والثاني: أن القوم كانوا حديثي العهد بالإسلام، وقد وقع الإسلام في قلوبهم موقعا؛ فيكون في تكرار المواعظ تلقيح لعقولهم، وتليين لقلوبهم على ما أكرمهم اللَّه - نعالى - من الإيمان، ونصرة رسول رب العالمين؛ كقوله:(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا).
وقوله - تعالى -: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) إما أن يكون انتثارها؛ لأنها مجعولة لمنافع الخلق، فإذا استغنى عنها أهلها فلا معنى لبقائها.
أو لما جعلت زينة للسماء، فإذا انفطرت السماء، لم تحتج إلى زينة بعدها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (٣) قال قائلون: أي يفجر ماؤها في بحر واحد، ثم يغور ماء ذلك البحر الذي اجتمعت فيه المياه؛ إما بما تنشفها الأرض، أو تجعل في بطن الحوت الذي ذكر أن الأرضين قرارها على ظهره، أو في بطن الثور، ثم يسوي اللَّه - تعالى - الأرض كلها؛ حتى لا يبقى فيها عوج، ولا قعر؛ فيبس البحار بما شاء: إما بالجبال، أو بغيرها.