للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان التفسير من قبل جزءًا من الحديث، وكان التفسير يقوم على الأسانيد، فجاء مفسرون كثيرون في حوالي القرن الخامس الهجري فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال من غير أن يعزوها إلى قائليها، ومن ثم كثر الدخيل في التفسير، ثم إن التفسير غلب عليه التأويل والتفسير الاجتهادي لعلماء برعوا في بعض العلوم، وبرزوا فيها، ومنهم من هم من أهل السنة والجماعة، ومنهم من هم من أهل الزيغ والابتداع، فصار كل واحد منهم يميل بالتفسير إلى إبراز ما برع فيه، فالنحوي ليس له هم إلا الإعراب وذكر الأوجه المحتملة في الآية، والإخباري ليس له هم إلا ذكر القصص واستيفاؤها عمن مضى من الأنبياء والأمم والملوك، وذكر ما يتعلق بالنقد والملاحم وأحوال الآخرة، والفقيه يكاد يسرد فيه مسائل الفقه جميعها، وكثيرًا ما يستطرد إلى إقامة الأدلة، وبيان منشأ الخلاف إلى غير ذلك مما لا تعلق له بالآية، وصاحب العلوم العقلية قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبههم والرد عليها، ويخرج من شيء إلى شيء، ويستطرد ثم يستطرد حتى ينسى الإنسان أنه في كتاب تفسير، ويخيل إليه أنه يقرأ كتابًا من كتب الكلام، وأصحاب المذاهب المبتدعة قد نحوا بالتفسير ناحية مذاهبهم كالشيعة والمعتزلة والباطنية والروافض وغيرهم.

ورغم هذا التعدد في الاتجاهات حول تفسير القرآن الكريم فإنه يمكننا أن نقول: إن مناهج التفسير القديمة تذهب في اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول: منهج تفسير القرآن الكريم بالمأثور.

والاتجاه الثاني: منهج تفسير القرآن الكريم بالرأي.

والاتجاه الثالث: التفسير الإرشادي وغرائب التفسير.

وفي الصفحات التالية نلقي الضوء على هذه المناهج، ببيان أهم ما يميز كل منهج ومميزاته، وأوجه القصور فيه.

[١ - منهج تفسير القرآن الكريم بالمأثور]

التفسير بالمأثور هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانًا لمراد اللَّه تعالى من كتابه، فالتفسير بالمأثور إما أن يكون تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القرآن بالسنة النبوية، أو تفسير القرآن بالمأثور عن الصحابة، وبعضهم أدرج في التفسير بالمأثور

<<  <  ج: ص:  >  >>