وروى في بعض الأخبار عن أبي قلابة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال:" قيل لي لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني، ثم قيل لي: سيد بنى دارًا وجعل مأدبة وأرسل داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولم يرض عنه السيد فاللَّه السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ".
إن ثبت هذا الخبر ففيه أن الدار الإسلام على ما قاله بعض أهل التأويل وفي خبر آخر عن جابر بن عبد اللَّه قال:" خرج علينا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يومًا فقال: رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي، قال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، قال: اسمع سمعت أذنك، وأعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بنيانًا فأتمه، ثم جعل فيها المأدبة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فاللَّه الملك والدار الإسلام والبيت الجنة، وأنت يا مُحَمَّد الرسول، ومن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها ".
هذا يدل -أيضًا- إن ثبت أن الدار التي ذكر في الآية هو الإسلام، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ. . .) الآية: ذكر الاستثناء في الهداية، ولم يذكر في الدعاء؛ ليعلم أن لا كل من يدعو إلى دار السلام يهديه، وإنما يهدي به من يعلم منه أنه يختار الهدى وذلك على القدرية.
ثم الهدى على وجوه ثلاثة.
أحدها: الدعاء كقوله: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ).
والثاني: هو البيان كقوله: (هُدًى وَرَحْمَةً) يعني القرآن.
والثالث: التوفيق والعصمة إذا وفق اهتدى، والهدى هاهنا التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦) اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: للذين أحسنوا في الدنيا لهم الحسنى في الآخرة جزاء ذلك الإحسان وهي الجنة، سمى الجنة