قَالَ بَعْضُهُمْ: إن حرف (ما) متى قرن بالفعل الماضي، صار بمعنى المصدر؛ كأنه قال: وخلق الذكر والأنثى؛ فيكون قسما بجميع الخلائق، إذ لا يخلو شيء من أن يكون ذكرا وأنثى.
وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (والذَّكَرِ وَالْأُنْثَى)، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قرأ كذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(ما) هاهنا بمعنى " الذي "؛ كأنه قال: والذي خلق الذكر والأنثى؛ فيكون على هذا الوجه القسم باللَّه تعالى، وعلى التأويل الأول بالذكر والأنثى.
قالوا: على هذا وقع القسم، فَإِنْ قِيلَ: إن كلا يعلم من كافر ومؤمن أن سعيهم لمختلف؛ فما الحكمة والفائدة من ذكر القسم على ما يعلم كل ذلك؟
فالوجه فيه - واللَّه أعلم -: أن ما يقع لهم بالسعي، وما يستوجبون به لمختلف في الآخرة، وهو جزاء السعي؛ كأنه قال: إن جزاء سعيكم وثوابه لمختلف، وذلك أنهم كانوا يقولون: إن كانت دار أخرى على ما يقوله مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - فنحن أحق بها من أتباع مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كقوله:(وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا).
أو يكون قوله:(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)؛ لأن المعطي في الشاهد ينفع غيره، ويضر نفسه في الظاهر، والممسك ينفع نفسه، ثم المعطي محمود عند الناس؛ فلو لم يكن عاقبة ينتفع المعطي بما أعطى، ويضر البخيل المنع، لكان الناس بما حمدوا هذا وذموا الآخر سفهاء؛