أو أن يكون ذلك لأن نشوء هارون كان فيهم وهم بلسانه أعرف، ومنطقه أفهم، ولموسى فترات كان معتزلا عنهم.
وقوله:(فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا) أي: عونًا (يُصَدِّقُنِي) ثم بيِّن في آية أخرى أنه فيم طلب منه عونا؛ وهو ما قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي. . .) الآية، أي: يصدقني فيما أقول إذا كذبوني هم، أو أستأنس به إذا ضاق صدري بالتكذيب والرد، فأجابه ربه فقال:(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥) كناية وعبارة عن القوة والعون؛ لأن القوة فيه تكون؛ فذكر فيمن تكون، وهو كقوله:(وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)، ذكر الأقدام، لأنه بالأقدام يثبت، وقوله:(نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ)، لأنه بالعقب ينكص، ومثله كثير، فعلى هذا ذلك.
وقوله:(وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا) قال قائلون: هو على التقديم والتأخير، أي: نجعل لكما سلطانا، أي: نجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ونجعل لكما سلطانًا باللطف ندفع عنكما أذاهم وشرهم؛ كقوله:(لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)، أي: أسمع ما يقول لكما، وأرى ما يفعل بكما، وأدفع ذلك عنكما فلا يصلون إليكما بالآيات التي معكما.
وقوله:(أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) يحتمل هذا وجوهًا:
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ:(سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أي: أعينك به وأقويك، والعضد: كناية عن القوة؛ لأته فيه تكون القوة، وبه يقوى من يوصف بالقوة؛ على ما ذكرنا.