للداعي، كما قال اللَّه تعالى:(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ).
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الصاخة هي الداهية، فذكر القيامة بالأحوال التي تكون فيها، أو بالأفعال التي توجد فيها؛ على ما ذكرنا.
وقال الزجاج: الصاخة: المصمة، تصم لها الأسماع عن كل شيء إلا إلى ما يدعى إليها.
وقوله - عَزَّ وجل -: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) جائز أن يكون هذا على تحقيق الفرار.
وجائز ألا يكون على التحقيق، ولكن وصف بالفرار لما يوجد منه المعنى الذي يوجد من الفار، قال اللَّه - تعالى -: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، والوجه فيه أن الأقرباء من شأنهم أنهم إذا اجتمعوا استبشر بعضهم ببعض، وأنسوا بالاجتماع، وإذا غابوا سألوا عن أحوالهم، واهتموا لذلك.
ثم هم في ذلك اليوم يدعون السؤال عند الغيبة والاستبشار عند الحضرة حتى كأنه لا أنساب بينهم، لا أن يكون بينهم في الحقيقة نسب، ولكن ما يحل بكل واحد من الاهتمام يشغله عن السؤال بحاله والاستبشار برؤيته حتى يصير كالفرار؛ لوقوع المعنى الذي يوجد من الفار، لا على تحقيق الفرار؛ لأنه قال:(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) فما يحل من الشأن يمنعه عن الفرار عن نفسه وعن أقربائه.
أو يكون على حقيقة الفرار، وذلك أن الأقرباء لا يوجد منهم القيام بوفاء جملة ما عليهم من الحقوق حتى لا يوجد منهم التقصير؛ فيخافون في ذلك اليوم أن يؤاخذوا بذلك فيحملهم على الفرار.
أو يفر كل واحد منهم عن تحمل ثقل الأقرباء، كما قال:(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)، وقد كانوا يتعاونون في الدنيا في تحمل الأثقال، فيخبر أنهم لا يتعاونون في ذلك اليوم؛ بل يفرون.
ثم جائز أن يكون هذا في الكفرة، وأما أهل الإسلام فإنه يجوز أن تبقى بينهم حقوق القرابة كما أبقيت المودة فيما بين الأخلاء بقوله:(الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
وإن كان في المسلمين والكفرة جميعا فجائز أن يكون الفرار في بعض الأحوال، وذلك