وهذه النعم التي ذكر لهم - جل وعلا - إنما جعلها لهم في حال العقوبة والابتلاء من المن والسلوى، والعيون، والغمام، ويدل هذا على أن عقوبات الدنيا قد يشوبها لذة ونعمة، وكذلك لذات الدنيا قد يمازجها شدائد وهموم، فإنما تخلص وتصفو هذه النعم في الآخرة، وكذلك العقوبة هنالك تخلص وتفارق اللذات.
قال عامة أهل التأويل: قوله: (اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) بيت المقدس.
وأمكن أن تكون القرية التي ذكر - هاهنا - هي الأرض التي ذكرت في سورة المائدة، وهو قوله:(ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ) أمرهم بالدخول فيها، ونهاهم عن الارتداد على أدبارهم، وأمرهم - هاهنا - بالسكون فيها، وأباح لهم التناول منها مما شاءوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُولُوا حِطَّةٌ).
أي: ارجعوا إلى السبب الذي يحط الأوزار، لا قولهم: حط عنا كذا، وهو كما قال:(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ)، أي: ائتوا بالسبب الذي به يغفر، وهو التوحيد.
هذا -أيضًا- ذكرناه فيها، سوى أنه ذكر - هاهنا - (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا)، وذكر في سورة البقرة:(فَأَنْزَلْنَا)، والقصة واحدة؛ ليعلم أن اختلاف الألفاظ لا يوجب اختلاف المعاني والأحكام، ولا تغييرها، وذكر هاهنا:(بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ)، وذكر، هنالك:(بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، والفسق هو الخروج عن الأمر، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وقد كان منهم الأمران جميعًا: الخروج