ومن لا يصلح، وبصير لمن اختار لها ومن لم يختر، سميع لما يتلقى المرسل إليه الرسول من الإجابة والقبول، والرد والتكذيب، وأنه على علم منه بالرد والتكذيب أرسل أرسله.
وفيه دلالة أنه إنما اصطفاهم للرسالة، لا بشيء يستوجبون منه ذلك ولكن إفضالا منه.
قوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ... (٧٦) أي: يعلم ما كان قبل أن يخلقهم (وَمَا خَلْفَهُمْ): بعدما خلقهم.
وقال الحسن: يعلم بأوائل أمورهم وبأواخرها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ): من الدنيا، (وَمَا خَلْفَهُمْ): من الآخرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ): من الآخرة، (وَمَا خَلْفَهُمْ): من الدنيا.
وجائز أن يكون قوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ): ما عملوا بأنفسهم في حياتهم (وَمَا خَلْفَهُم) ما سنوا لغيرهم من بعدهم، كقوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ما عملوا هم، وما أخرت: ما سنوا لغيرهم من بعدهم.
وجائز أن يكون لا على حقيقة بين الأيدي ولا خلف، ولكن معناه: لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأقوالهم.
(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) قد ذكرنا معناه فيما تقدم.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)
وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ).
في الآية دلالة أن الإيمان هو شيء خاص وشيء واحد، لا اسم جميع الخيرات، وهو التصديق؛ لأنه أثبت لهم اسم الإيمان، ثم أمرهم بالركوع والسجود وفعل الخيرات؛ لأن جميع المخاطبين بهذه الآية عرفوا من خوطب بها، فلو كان اسما لجميع الخيرات لكان لا يعرف المخاطب بها؛ لأنه لا يقدر أحد على جميع الخيرات؛ فدل أنه شيء معروف خاص مما يرجع صاحبه إلى حد المعرفة، حيث عرفه المخاطب به، واللَّه أعلم.
ثم يحتمل قوله: (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وجوهًا:
أحدها: أن اجعلوا ركوعكم وسجودكم وعبادتكم عبادة اللَّه لا ثشركوا فيها غيره على