منهم ويعاقب المسيء، ويجازي كلا بقدر عمله؛ إذ لو لم يكن، لكان خلقه إياهم عبثا باطلا؛ على ما ذكرنا في غير موضع.
وقيل:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي: في خلق أنفسكم، (أَفَلَا تُبْصِرُونَ) أنه كيف سوى أنفسكم على أحسن الصور، وأحسن التقويم بعد أن كان أصلها وجوهرها من ماء، وكذلك أصل جواهر الأنعام والبهائم من نطفة أيضًا، ثم ركبكم على صور صالحة لمنافعكم، وركبكم على أحسن الصور، ثم جعل فيكم من العقل والسمع والبصر ما يدرك بها حقائق الأشياء المحسوسة والمعاني الحكيمة؛ لتتأملوا في ذلك كله؛ فتكون آية الوحدانية آية إلزام الشكر والعبادة له، واللَّه الموفق.
قال أبو بكر الأصم:(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) أي: في السماء رزقكم وما توعدون من الخير والشر.
وقال الحسن وغيره:(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) أي: المطر الذي ينزل منها في الأرض، فنبت فيها بذلك المطر من أنواع الأرزاق من الحبوب، والثمار، والفواكه، وغيرها؛ كل ذلك سببه من السماء؛ لذلك أضيف إليها، واللَّه أعلم.
وجائِز أن يكون ما ذكر من أرزاقنا أنها في السماء: المطر وجميع ما سخر لنا فيها من الشمس والقمر والملائكة؛ حيث جعل صلاح ما في الأرض جميعًا من الأرزاق والأغذية بتلك الأشياء التي في السماء من الإنضاج بالشمس والقمر، وحفظ الأرزاق والأمطار بالملائكة؛ فإنهم جعلوا موكلين ممتحنين بذلك؛ حيث قال - تعالى -: (فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا)، هي الملائكة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا تُوعَدُونَ) كل موعود: مرغوب أو مرهوب من السماء، والله أعلم.