أحدهما: ما تكنون أنتم في صدوركم وتسترون فيها (وَمَا يُعْلِنُونَ)، أي: ما يبدون ويظهرون فيها، يعلم ذلك كله.
أو (مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ)، أي: ما تخفي أنفس الصدور وتستر فيها (وَمَا يُعْلِنُونَ): وما تحمل الصدور أصحابها على إبداء ما فيها وإظهاره، وهو ما ذكر في الخبر حيث قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح جميع بدنه وهو القلب "، والله أعلم.
وقوله:(وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥) هذا يخرج على وجهين -أيضًا-:
أحدهما: ما من غائبة في السماء والأرض مما كان ويكون أبد الآبدين إلا كان ذلك مبينا في كتاب مبين، يخبر أنه كان لم يزل عالمًا بما كان منهم أبد الآبدين، وأنه عن علم بأفعالهم وصنيعهم خلقهم وأنشاهم، لا عن جهل وغفلة.
والأني:(وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أي: ما من غائبة عن الخلق ما يغيب بعضهم من بعض ويستر بعضهم بعضا، (إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ): إلا كان ذلك عند اللَّه محققا ظاهرًا مرقوبا، ينبههم؛ ليكونوا على حذر؛ يقول: إن ما يغيب بعضهم من بعض فهو عند اللَّه محفوظ رقيب لا يغيب عنه شيء؛ كقوله:(مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، واللَّه الموفق.