للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَا بَيْعٌ فِيهِ): أي: يوم لا يقدر أحد أن يبيع نفسه من ربه؛ وفي الدنيا يقدر أن يبيع نفسه من ربه؛ كقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)، وقوله: (إنَّ اللَّهَ اشتَرَى)، وقوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا يقدر أحد بيع نفسه من ربه، ويحتمل نفسه. قوله: (لَا بَيْعٌ فِيهِ): أي: لا ينفعه بيع نفسه منه في ذلك اليوم؛ وإن باع؛ كقوله: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) وقوله: (فَلَمَّا رَأَوا بَأسَنَا. . .) الآية، فعلى ذلك الأول.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا خِلَالٌ): هو مصدر خاللت؛ وهو من الخلة والصداقة.

ثم هو يحتمل وجهين:

أحدهما: ألا تنفعهم الخلة التي كانت بينهم في الدنيا؛ لأن كل خلة كانت في الدنيا مما ليست لله فهي تصير عداوة في الآخرة؛ كقوله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ. . .) الآية. أخبر أن الأخلاء؛ الذين كانوا يخالون في الدنيا؛ للدنيا - فهم الأعداء إلا الخلة التي كانت لله؛ فهي تنفع أهلها؛ وهو ما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) وأمثاله، يخبر أن الخلة التي كانت بينهم في الدنيا؛ لا لله؛ فهي تصير عداوة في الآخرة؛ حتى يتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضا.

والثاني: أن يكون لهم شفعاء وأخلاء؛ ولكن لا يشفعون؛ كقوله: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، أو يشفع لهم لكن لا تقبل؛ كقوله: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ).

* * *

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (٣٣) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) إلى آخر ما ذكر. فيه دلالة أن تدبير اللَّه محيط متسق بجميع ما في السماوات والأرض، وعلمه محيط بجميع الخلائق؛ حيث ذكر أنه:، (وَأَنزَلَ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>