للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل قوله: (إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ) كانت له حاجات أخفاها، طلب قضاءها؛ فقال: تعلم حاجاتي؛ أخفيتها، أو أعلنتها فاقضها لي، أو أن يكون قومه طعنوا في شيء؛ فقال ذلك على التبري من ذلك؛ إنه يعلم ما نخفي وما نعلن، ولم يعلم ذلك الذين يطعنون في (مِنِّي) واللَّه أعلم؛ كقول عيسى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي)، أو أن يكون قال ذلك؛ لأن أهل الأديان جميعًا كانوا يوالون إبراهيم ويدعون أنه على دينهم؛ ولذلك قال: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا. . .) الآية.

برأه اللَّه مما ادعى كل فريق.

ثم منهم؛ من كان من هذه الفرق؛ يدعون الأسرار عن اللَّه والإخفاء عنه؛ فقال هذا ليعلم الناس توحيده؛ أنه لا يخفى عليه شيء؛ أُخفي أو أعلن؛ ليعرفوا توحيده أنه ليس شيء يخفى عليه. واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٥١) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: المخاطب بهذا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خاصة؛ على علم منه أن رسول اللَّه كان لا يظن أن اللَّه يغفل عما يعمل الظالمون؛ لكنه خاطب به كما خاطب به في قوله: (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ)، وقوله: (وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وأمثاله، نهاه مع العلم أنه لا يفعل ذلك، وأصله في هذا أن العصمة لا ترفع المحنة، وليس المحنة إلا الأمر والنهي؛ إذ لو رفعت العصمة المحنة؛ والأمر والنهي؛

<<  <  ج: ص:  >  >>