للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) أي: الذي تسمعونه منه تسمعون من رسول كريم، ثم ذكر - هاهنا - أنه قول رسول كريم، وقال في موضع آخر: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، فذكر - هاهنا -: كلام اللَّه، وذكر في الآية الأولى: أنه قول رسول كريم، فأما ما أضيف إلى الرسول فهو من حيث بلوغنا إليه من جهة الرسول، لا بأمر غيره وصلنا إليه، وأضيف إلى اللَّه - تعالى - لأن مجيئه وبدأه من عنده، وأضيف إلى الرسول؛ لأن ظهوره في حقنا كان به، وهذا كما أضيف ما وعاه القلب إلى الأذن بقوله: (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)؛ لأنه إنما يوصل إلى الوعي بالأذن؛ فعلى ذلك أضيف القول إلى الرسول من حيث كان سماع الخلق من جهة الرسول، عليه السلام.

ثم الأصل أن الكلام والقول لا يسمعان، وإنَّمَا المسموع منهما الصوت الذي يعرف الكلام والقول به، ويدل عليه، لا أن يكون كلامه في الحقيقة صوته، فينسب أيضًا هذا القرآن إلى كلام اللَّه - تعالى - لما يدل على كلامه، لا أن يكون المسموع -في الحقيقة- هو كلامه وجائز أن يكون تأويل قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، أي: إن الذي سمعتموه من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أتاكم به لقول تلقاه من عند اللَّه الرسولُ الكريم، فيذكرهم هذا ليؤمنهم من تخليط يقع فيه من الشياطين وغيرهم من الأعداء.

ثم جائز أن يكون الرسول الكريم هو جبريل - عليه السلام - كما قال - تعالى - في سُورَةِ: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ): (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ).

ويحتمل أن يكون الرسول الكريم هو محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، والأشبه أن يكون هو المراد؛ لأنهم كانوا ينكرون رسالته، ولم يكونوا يقولون في جبريل - عليه السلام - شيئًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) أي: إن هذا القرآن لقول رسول كريم، ليس بقول شاعر، ولا بقول كاهن.

ثم قوله: [(قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ) (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)] يحتمل أن يكون تأويله: فبقليل ما تؤمنون، وبقليل ما تذكرون مما جاءكم به الرسول، فالقليل الذي آمنوا به وتذكروا فيه هو الذي كان راجعًا إلى منافعهم، فأما الذي كان عليهم فهم لم يؤمنوا به ولا تذكروا فيه، وإذا كان تأويله ما ذكرنا، فانتصاب القليل؛ لانتزاع حرف الخافض، وفي الحقيقة انتصابه

<<  <  ج: ص:  >  >>