للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: كان بأمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - مفعولا، كما يقال: الجنة رحمة اللَّه، والمطر رحمة اللَّه، أي: برحمة اللَّه، فعلى ذلك معنى قوله - سبحانه -: (أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) أي: بأمر الله كان مفعولا.

ويحتمل قوله: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، أي: عذاب اللَّه نازلا بهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (٤٨)

أجمع الناس أن اللَّه، يغفر الذنوب كلها: الشرك وما دونه إذا انتهى وتاب بقوله - تعالى -: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) دل أن إطماع المغفرة لما دون الشرك لمن لم ينته عنه.

وقال الخوارج: الكبائر كلها إشراك باللَّه، فمن ارتكبها دخل تحت قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)، والمسألة بيننا وبينهم في ذلك، فيقال لهم: المعنى الذي صار به مشركا عندكم بارتكابه الكبيرة ذلك المعنى موجود في ارتكابه الصغائر؛ فيجيء أن يكون كافرًا، فإذا لم يصر بذلك كافرًا لم يصر بارتكابه الكبائر كافرًا.

وقالت المعتزلة: صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان، ولا يدخل في الكفر.

وقال أبو بكر الأصم: ظهر الوعيد في الكبائر، وشرط المغفرة لما دون الشرك بقوله - تعالى -: (لِمَنْ يَشَاءُ) فهو للصغائر؛ كقوله: (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ) أخبر أن من السيئات ما يكفر، ومنها ما لا يكفر، فهو للصغائر.

وأمَّا عندنا: فإن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أطمع المؤمنين المغفرة ما دون الشرك، ولو كان لا يجوز في العقل المغفرة لكان لا يطمع؛ لأنه لا يجوز أن يطمع ما لا يجوز في العقل، فإذا أطمع دل أنه يجوز في العقل المغفرة لما دون الشرك، ثم له المشيئة: إن شاء عذبهم، وإن شاء عفا عنهم.

وأما إطماع المغفرة في الشرك: فإنه لا يجوز في العقل؛ لأن من اعتقد دينا إنما يعتقده

<<  <  ج: ص:  >  >>