للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للأبد، وليس كل من ارتكب ذنبًا يرتكبه للأبد؛ بل إنما يرتكبه لقضاء شهوة تغلبه، فهو يندم على إثره؛ لذلك قلنا: يجوز في العقل إطماع المغفرة لما دون الشرك، ولا يجوز للشرك، وباللَّه التوفيق.

ووجه آخر: أن الوعيد الذي ذكرته يحتمل الاستحلال، والاستخفاف بالأمر والنهي، فلا يتزل بما أطمع بهذه الآية من المغفرة؛ فيزال الطمع والرجاء بالوعيد المتوجه وجهين أو يوقف فيهم؛ فأما القطع في أحد الوجهين بالمحتمل ومنع القطع بالآخر للاحتمال فهو تحكم، ولا قوة إلا باللَّه.

ووجه آخر: أن الآية في التفصيل بين المحتمل للغفران والذي لا يحتمل، فإذا صرفت إلى الصغائر فيبطل تخصيص اسم الشرك، ويلتبس على السامع محله، وليس أمر الوعيد فيما جاء بموضع التفصيل، بل الذي جاء بحق التفصيل ذكر الغفران بالتكفير، والتكفير يكون مقابلة الجزاء من حسنات أو عقوبات؛ كقوله - تعالى -: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ. . .) الآية، واللَّه الموفق.

ووجه آخر: قال اللَّه،- عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنْ يَشَاءُ) وهذا كناية عن الأنفس المغفورات، لا عن الآثام التي تغفر، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكنى بها عن الأنفس، وفي آيات الوعيد تحقيق في الذين جاء بهم، وفيما جاء عامًّا؛ فبان لا صرف في ذلك، فهو أولى، واللَّه الموفق.

وبعد، فإنه - عَزَّ وَجَلَّ - قال: (لِمَنْ يَشَاءُ) والصغائر عندكم مغفورة بالحكمة لا بالوعد، والآية في التعريف، ولا قوة إلا باللَّه.

وقوله - تعالى - أيضًا: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فمعلوم: أنه فيما يلزمه حتى يختم به، لا فيما يتوب عنه؛ أيد ذلك قوله: (إِن يَنتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ. . .) الآية، وغير واحدة من الآيات التي جاءت في الكفرة لما آمنوا، واللَّه أعلم؛ فصار كأنه قال: لا يغفر أن يشرك به إذا لم يتب عنه، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وإن لم يتب منه، فلو كان شيئًا مما دونه لا يحتمل في الحكمة المغفرة لضمه إلى الممتنع عن الاحتمال، لا أن ألحقه بالمحتمل له فيما كان معلومًا أن القصد فيه إلى بيان ما فيه الرجاء والإياس، وأيد ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>