للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثواب خير من ذلك، لا أنه في الحقيقة خير؛ وهو كقوله: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)، أي: في طباعكم، وعندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه؛ إذ ليس شيء أهون على اللَّه من شيء، ولكن عندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه؛ فعلى ذلك الأول، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) أخبر أنهم إذا أتوا ربهم بالتوحيد يكونون آمنين من فزع ذلك اليوم وهوله.

وقوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ... (٩٠) أي: بالشرك، (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ): المنكب على الوجه: هو الملقى على الوجه، كقوله: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ).

وقوله: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: ما تجزون إلا بأعمالكم.

* * *

قوله تعالى (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)

وقوله: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا).

قوله: (حَرَّمَهَا) يحتمل وجهين:

يحتمل (حَرَّمَهَا) أي: منعها من الاستلاب والاختطاف فيها؛ كقوله: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ)، ليس على التحريم حتى لا يحل له ذلك، ولكن على المنع والحظر، أي: منعنا منه المراضع.

والثاني: على التحريم نفسه، وهو ما جعل في كل أحد من الكافر والمسلم في الجاهلية والإسلام حرمة ذلك المكان؛ حتى لا يتناول أحد من صيد تلك البقعة ومن شجرها وحشيشها، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ... (٩٢) أيضًا عليكم كأنهم أوعدوه بوعيد وخوفوه به، وطلبوا منه الموافقة لهم، فقال عند ذلك لهم: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة، وهو رب كل شيء، أي: أمرت أن أكون عبدا له، لا أجعل نفسي عبدا لغيره، وأمرت -أيضًا- أن أجعل نفسي سالمًا له، لا أجعل لأحد فيها شركا كما جعلتم أنتم - أيضا - ذلك كله.

وأمرت -أيضًا- أن أتلو القرآن عليكم، فأنا أتلوه عليكم كذبتموني أو لم تكذبوني، فإني لا أخاف كيدكم ولا مكركم، واللَّه أعلم.

وفي قوله: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) دلالة لزوم الرسالة؛ لأن أهل مكة وغيرهم قد أقروا جميعًا بحرمة تلك البقعة من أوائلهم وأواخرهم، فما

<<  <  ج: ص:  >  >>