للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمثل هذه النزعة وينتصر لها العلماء والصالحون من العرب العجم جميعًا.

النزعة الثالثة: يؤمن أصحاب هذه النزعة بأفضلية العجم على العرب، ويفندون الحجج التي ارتكز عليها أصحاب النزعة الأولى في تفضيل العرب، فيقولون: إن الإسلام ليس دينًا عربيًّا أنزله اللَّه لهداية العرب وحدهم، بل هو دين عام للناس أجمعين، ودعوته موجهة لكل الأجناس، وليس للعرب ما يمتازون به عن غيرهم.

وما افتخروا به من سجايا كريمة وشيم نبيلة كالكرم والوفاء والنجدة وغيرها، ليست قصرًا عليهم بل يشاركهم فيها سائر الأمم.

وقد أطلقت الشعوبية على هذه النزعة الأخيرة حتى غدت مرادفة لها، فصنف العجم كتبًا في مثالب العرب ومناقب العجم، بل تجرأ الشعوبيون فوضعوا الأحاديث ونسبوها زورًا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، إثباتًا لفضيلة العجم.

ثانيًا: الزندقة:

لعل من الأسباب التي أدت إلى شيوع الزندقة وقوة تيارها في العصر العباسي: نشاط الحركة العلمية العقلية في هذا العصر؛ إذ لم يقتصر البحث على العلوم الدِّينية النقلية من جمع أحاديث وتفسير للقرآن، واستنباط للأحكام الشرعية، بل تعداها إلى دراسة المنطق والكلام والفلسفة وغيرها من العلوم التي تثير في النفس والعقل من الحيرة والشك أكثر مما تثبت فيهما من الإيمان واليقين.

وكذلك فإن كثيرًا من الفرس ساءهم ألا يحققوا ما يطمحون إليه من مطامع، ورأوا أن الإسلام ما دام قويًا، فلن يتحقق لهم ما يرنون إليه؛ ولذلك عملوا على هدم الإسلام من داخله عن طريق نشر المبادئ المانوية والزرادشتية والمزدكية، فكان ذلك عاملاً مباشرًا أسهم في ذيوع الزندقة وانتشار أفكارها الهدامة.

وتعني الزندقة اعتناق الإسلام ظاهرًا، واعتناق أديان الفرس باطنًا، وخاصة مذهب ماني، وإنما أظهروا الإسلام رغبة في إفساده وهدم تعاليمه، أو لنيل الجاه والظفر بالسلطان.

واجتهد الخلفاء العباسيون في تعقب الزنادقة ومحاكمتهم، كما شجعوا المتكلمين وأهل الجدل على تأليف الكتب للرد على الزنادقة، وأمر الخلفاء بمناظرتهم واستتابتهم، فإن تابوا وإلا قتلوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>