للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستهجن البحث الكلامي كالحنابلة، ولكنه استطاع أن يوفق بين الجانبين -كما فعل الماتريدي- واعتمد على النظر العقلي فوضع للفتن الدِّينية حدًّا، فقضى على مذهب المعتزلة وحل مكانه ".

[منهج الأشعري:]

تبين لنا من نقد الأشعري للمعتزلة والحشوية أنه وقف على علة ضلالهما وفساد ما انتهوا إليه من آراء وتصورات في العقيدة، وهذه العلة إنما هي الاقتصار على النقل وإهمال العقل، أو تحكيم العقل وتقديمه على النقل، أما المعتزلة فاستقلوا بالعقل في تأسيس مذهبهم الاعتقادي وظنوا أنه مرقاة إلى العقيدة السليمة، فأداهم ذلك إلى آراء شاذة تنكرها النصوص الشرعية الثابتة، من نفي الصفات والقول بخلق القرآن وإنكار الرؤية والشفاعة، وفي سبيل ذلك أولوا آيات القرآن الكريم وطعنوا في السنة الصحيحة والضعيفة جميعًا.

وأما الحشوية فالتزموا بالنقل التزامًا حرفيًّا، ولم يجعلوا للعقل حظًّا من فهمه والاستدلال عليه بأدلته، فزلت أقدامهم في القول بالتجسيم والتشبيه، ورأوا كذلك أن النظر العقلي في أصول الدِّين بدعة، حيث لم يؤثر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصحبه - رضوان الله عليهم - فصنف الأشعري للرد عليهم رسالة: " استحسان الخوض في علم الكلام " بين فيها أن القرآن والسنة يشتملان على أصول النظر العقلي والاستدلال المنطقي على صحة العقيدة الإسلامية، وذهب إلى أن تأييد الشرع بالعقل ليس بدعة وإنما هو واجب لابد من أن ينهض بأدائه علماء المسلمين.

اجتهد الأشعري -مستهديًا بنقده للمعتزلة والحشوية- في تأسيس مذهب جديد يُؤَلِّفُ في منهجه بين النقل والعقل ويوائم بينهما " فكان يفهم النص في ضوء العقل أو يسير وراء العقل في حدود الشرع، ويجعل الشرع هاديًا للعقل؛ لأن العقل إذا ترك وشأنه اتبع هواه، لكنه بالشرع يتبع هداه ".

وإذا كان الأشعري قد جمع في منهجه بين العقل والنقل، فإنه قدم النقل على العقل؛ لأن مبنى العقائد على الغيبيات وطريقها الوحي لا العقل، ونص الأشعري صراحة في مقدمة كتابه " الإبانة عن أصول الديانة " على أنه يتمسك بكتاب اللَّه وسنة نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وما روي عن السادة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، كما نص على أن الإمام الذي يتبعه هو

<<  <  ج: ص:  >  >>