للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: جعلناهم سلفًا ومثلا للآخرين في العظة والانزجار لهم؛ ليمتنعوا عن مثل ما فعلوا خوفًا عن الوقوع فيما وقعوا، واللَّه أعلم.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (فجعلناهم سلفًا) بالرفع والنصب، وهو من التقدم؛ أي جعلناهم قدمًا تقدموا، مثل: خَبَث، وخُبُث، وثَمَر، وثمُر.

وكذلك يقول أَبُو عَوْسَجَةَ؛ وقال: السلف: الخيرات، والجميع: سلوف.

* * *

قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) اختلف فيما ذكر من ضرب المثل لعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام:

قَالَ بَعْضُهُمْ: لما نزل قوله - تعالى -: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) فقال أُولَئِكَ الكفرة الذين كانوا يعبدون الأصنام: إن عيسى عبد دونه، وعزير والملائكة يعبدون دونه، فهَؤُلَاءِ جميعًا في النار إذن؛ لأنهم عبدوا دونه، فإن كان هَؤُلَاءِ في النار فقد رضينا أن نكون معهم وهم معنا، وهو ما ذكروا على إثره: (أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يعنون بقولهم: (هُوَ): عيسى - عليه السلام - فذلك منهم يخرج على وجهين:

أحدهما: لئن جاز أن يعذب عيسى - عليه السلام - ومن عُبِدَ من هَؤُلَاءِ دون اللَّه في النار رضينا أن تُعذب آلهتنا في النار؛ إذ هم ليسوا بخير من عيسى - عليه السلام - وهَؤُلَاءِ الذي عبدوا دون اللَّه من الملائكة وغيرهم.

والثاني: يقولون: إن كان عيسى يعذب في النار لما عبد دونه فآلهتنا التي نعبدها دونه خير منه فلا تعذب؛ لأنها خير.

فأحد التأويلين يرجع إلى أنهم يقولون: لو جاز وصلح أن يعذب كل معبود دونه جاز أن تعذب الأصنام التي نعبدها نحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>