ويحتمل أن يكون ما ذكر من كراهة أكثرهم للحق بحق الطباع؛ كان في طباع أكثرهم كراهة ذلك الحق، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ).
ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من إبرامهم أمرًا ما ذكر في آية أخرى، وهو قوله تعالى: (وَإِذ يَمْكُرُ بكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)، إبرامهم أمرا: هو مكرهم الذي مكروا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما ذكر، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أن يكون إبرامهم الذي ذكر غير ذلك، وكيفما كان، ففيه وجهان من الدلالة:
أحدهما: ليعلموا أن اللَّه - تعالى - عالم سميع بما يبرمون فيما بينهم من أمر سرًّا؛ لأنه في ظنهم أن اللَّه لا يعلم ولا يسمع ما يبرمون من الأمر سرًّا؛ ولذلك قال تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ).
والثاني: فيه دلالة إثبات الرسالة؛ لأنهم أبرموا ذلك الأمر فيما بينهم سرًّا، ثم أخبرهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بما أبرموا وأحكموا من الأمر؛ ليعرفوا أنه إنما علم ذلك باللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ).
يحتمل: فإنا جازون جزاء إبرامهم.
ويحتمل: (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي: إلينا يرجع تدبير إبرامهم الأمر ومكرهم جميعًا؛ وعلى ذلك قوله: (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا)، على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ... (٨٠).
أي: بل يحسبون على ما ذكرنا: أن حرف الاستفهام منه يخرج على الإيجاب؛ كأنه قال: بل يحسبون؛ ألا ترى أنه قال: (بَلَى وَرُسُلُنَا).