قد أخذ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - الميثاق على جميع البشر، وخصهم به دون غيرهم من الخلائق؛ لما رَكَّبَ فيهم ما يَعْرِفُ كُل به شهادة الخلقة على وحدانية ربه؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ).
ثم خص بني إسرائيل من البشر بفضل الميثاق؛ لما أرسل إليهم الرسل منهم، وهو قوله:(وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا)، وكأنهم قد قبلوا تلك المواثيق؛ كقوله - تعالى -: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ. . .) إلى آخره؛ وكقوله - تعالى -: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)، كان من اللَّه لهم عهد ومنهم للَّهِ عهد، فأخبر أنهم إذا أوفوا بعهده يوفِ بعهدهم.
في الآية دلالة أنهم كانوا يخالفون دين الرسل بأجمعهم؛ لما أحدثوا من اتباع أهوائهم، وأن الرسل - وإن اختلفت أوقات مجيئهم - فإنهم إنما يدعون بأجمعهم إلى دين واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ): منهم من كذب، ومنهم من قتل، لكن القتل إن كان فهو في الأنبياء غير الرسل؛ لأنه - تعالى - قال:(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا) أخبر أنه ينصر رسله، وليس في القتل نصر.
ويحتمل قوله:(وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)، أي: فريقًا قصدوا قصد قتلهم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.