ثم قوله:(دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا): ليس على إرادة حقيقة الجنب والقعود والقيام، ولكن على الدعاء في كل حال، أي: يدعونه في كل حال؛ لما عرفوا أن الذين كانوا يعبدون من دون اللَّه لا يملكون دفع ما حل بهم من الشدائد والمضار - أقبلوا على اللَّه بالتضرع والدعاء إليه في كشف ذلك عنهم.
ثم أخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعودهم إلى الحال التي كانوا من قبل فقال:(فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ): يقول - واللَّه أعلم -: مر كأن لم يدعنا قد نسينا في الرخاء كأن لم يعرفنا واستمر على ترك الدعاء في الرخاء، وقوله:(كَذَلِكَ) عرفنا ما كانوا يعملون والإسراف هو العدوان، والتعدي عن الحد الذي جعل له وهو وضع الأموال والأنفس في الموضع الذي لا ينتفعون بها في عبادة الأصنام وغيرها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا): فَإِنْ قِيلَ: قد أهلك من قد ظلم ومن لم يظلم، فما يعلم من أهلك من الظلمة أنه إنما أهلكهم لظلمهم، أو أهلك لصلاح من لم يظلم.
قيل: إنه أهلك الظلمة إهلاك استئصال وعقوبة، وأهلك من لم يظلم لا إهلاك عقوبة واستئصال، إنما هو إهلاك بآجالهم التي جعل لهم.
ويحتمل قوله:(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ): إنما أهلك أُولَئِكَ بسؤالهم الذي سألوا سؤال تعنت رسلهم الآيات، فإذا جاءوا بتلك الآيات كذبوها، فأهلكوا عند ذلك، فأنتم يا أهل مكة إذا سألتم رسولكم الآية ثم