للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤١)

قال الحسن: قوله: (صَرَّفْنَا) - يقول: بيّنا في هذا القرآن ما نزل بمكذبي الرسل من الأمم الخالية؛ بتكذيبهم الرسل أفة قائمة؛ (لِيَذَّكَّرُوا): ما نزل بهم؛ فينتهوا عن تكذيبهم الرسل، (وَمَا يَزِيدُهُمْ): ما بين لهم. (إِلَّا نُفُورًا) أي: تكذيبًا للرسل.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ولقد صرفنا في هذا القرآن، أي: بيَّنَّا في هذا القرآن والآيات التي تقدم ذكرها - جميع ما يؤتى ويتقى، وما لهم وما عليهم؛ ليعتبروا به، فيؤمنوا، وما يزيدهم القرآن إلا تباعدًا من الإيمان به، وهو ما ذكر: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ. . .) الآية.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: صرفنا في هذا القرآن من المواعيد الشديدة أنه ما ينزل بهم في الآخرة من العذاب والعقوبة؛ بصنيعهم وتكذيبهم الرسل، لكن إذ لم يؤمنوا بالآخرة، لم يزدهم ذلك الوعيد إلا نفورًا وبعدًا؛ فإن اللَّه قد ذكر في القرآن المواعظ الكثيرة: ما لو نظروا فيه وتأملوا لكانت تمنعهم وتزجرهم عن مثل صنيعهم، لكن لم ينظروا إليه بالتعظيم؛ ولكن نظروا إليه بالاستهزاء والاستخفاف به؛ لذلك أضيف زيادة النفور إليه، أو أضاف ذلك إليه؛ لما أحدثوا بنزوله الكفر والتكذيب له؛ فأضاف ذلك إليه لما ازداد لهم التكذيب، وحدث لهم الكفر به إذا نزل، كما كان لأهل الإسلام يزداد لهم الإيمان واليقين إذا نزل.

وجائز أن يكون قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا)، أي: يَشْرُفوا؛ كقوله: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)، أي: شرفكم، أو ليذكروا ما نسوا وتركوا وغفلوا عنه. ثم قوله: (صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا)، معناه - واللَّه أعلم -: أنزله؛ ليلزمهم الذكر، أو ليكون عليهم، أو ليأمرهم بالذكر، وهو ما ذكرنا في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، أي: ليلزمهم العبادة والطاعة، أو ليأمرهم بالعبادة والطاعة، أو أرسل وخلق لمن علم منه العبادة والطاعة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَذَّكَّرُوا)، أي ليكون لهم الذكرى بذلك؛ لأنه لا يحتمل أن يبيِّن لهم ويجعل لهم بيانًا؛ لِيَذَّكَّرُوا، ثم لا يكون؛ ولكن ما ذكرنا ليكون لهم الذكرى، وقد كانت لكن لم تنفعهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّّ -: (وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا):

<<  <  ج: ص:  >  >>