للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما في يوم بدر، فقد كانوا أكثر عددا من المسلمين؛ فلم يتبين لهم أنهم أقل في العدد.

ويجوز أن يوم بدر يكون المسلمون أكثر عددا؛ لأن اللَّه تعالى أمد المسلمين بملائكته؛ فصار عددهم أكثر في التحقيق، وإن كانت الكفرة في رأي العين أكثر منهم عددا.

ثم يشبه أن تكون هذه الآية نزلت على أثر تخويف الكفرة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بكثرة عددهم وقوتهم في أنفسهم، وقلة عدد المسلمين، فوعد اللَّه تعالى نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالنصر وكثرة العدد عند وقوع الحاجة إليها، وباللَّه التوفيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥):

فهذا ذكره عند ذكر الوعيد، وهو قوله: (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا)، فكأنهم سألوه: متى وقت هذا الوعيد؟ فأمر أن يقول: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا).

قد ذكرنا فيما تقدم من الآيات: أن ليس في بيان وقت الوعيد فضل يقع في الوعيد؛ بل إذا لم يبين وقت الوعيد، كان فيه فضل تخويف وتحذير لا يوجد فيما يبين؛ لأنه إذا بين، فإن كان فيه أمد سَوَّفَ الناس وأخروا التوبة؛ لما أمنوا حلول النقمة بهم إلى مجيء ذلك اليوم، وإذا لم يمهلوا صاروا إلى الإياس؛ فيرتفع الخوف والرجاء، وفيه ارتفاع المحنة؛ لأن المحنة في الأصل بالعمل على الرجاء والخوف.

ولأنه إذا لم يبين، كانوا على الحذر والخوف؛ فيحملهم ذلك على التسارع في الخيرات والإقلاع عن المساوئ؛ فأمر أن يقول هذا، وإلَّا فالذي أمره بأن يقول هذا عالم بالوقت الذي يقع فيه الوعيد.

وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) الأصل فيما غيب اللَّه تعالى عن الخلق أنه على منازل ثلاثة:

أحدها: ما قد أعجز الخلق عن احتمال الوقوف عليه بالخلقة، نحو الكيانات التي هي أصول الأشياء، لو أراد أحد أن يعرف المعنى الذي به صلح أن يكون كيانا، لم يقف عليه، ونحو الماء جعل حياة لكل شيء، ولو أراد أحد أن يتعرف المعنى الذي به صلح أن يجعل حياة، لم يقف عليه، وكذلك هذا في كل ما جعل كيانا موجودا.

<<  <  ج: ص:  >  >>