حسب أُولَئِكَ الكفرة أن ما أمد لهم من الأموال والبنين - ما أعطى لهم - إنما أعطى خيرًا لهم وبرا لا شرا، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - وكذبهم في حسبانهم الذي حسبوا، فقال:(بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) أنه إنما أعطى لهم ذلك شرا، وإنما مثل ما حسب أُولَئِكَ الكفرة فيما أعطوا من الأموال والبنين إنما أعطوا خيرًا - حسب المعتزلة في قولهم: إن اللَّه تعالى لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدِّين؛ فأخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدِّين ولا أصلح لهم، وهو ما ذكر في قوله:(إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)، وهم يقولون: إنما يملي لهم ليزدادوا خيرًا وبرًّا.
وكذلك قالوا في قوله:(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا)، وهم يقولون: لا؛ بل إنما أراد: ليرحمهم بها.
فيقال لهم: أنتم أعلم أم اللَّه؟! كما قال لأُولَئِكَ الكفرة؟! حيث قال:(أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) إلا أن يكابروا في قوله: (بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)؛ لما أنهم قالوا ذلك على الظن والحسبان، لا على العلم؛ حيث قال:(أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ)؛ فقال:(بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)؛ حيث قالوا ذلك ظنًّا وحسبانًا، وإنما الواجب عليهم أن يعلموا ذلك علم إحاطة ويقين.
فجواب هذا أن يقال: إن عندهم أن ذلك إنما أعطى لهم وأملى خيرًا وبرا لهم؛ فكانوا على يقين من ذلك وإحاطة عند أنفسهم، وإنما ذلك الظن والحسبان لهم ما عند اللَّه، وإلا: كانوا على حقيقة العلم عند أنفسهم: أنه إنما أعطاهم ذلك وأمد لهم خيرًا؛ فأكذبهم اللَّه في ذلك ورد عليهم قولهم: إنه إنما أعطاهم ذلك لما ذكروا؛ بل أخبر أنه إنما أعطاهم؛ لمضادة ذلك.