للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) يسمون كل صانع: خالقًا، والخلق: هو التقدير في اللغة يضاف إلى الخلق على المجاز وإن كان حقيقة التقدير لله - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر على ما عندهم لا على حقيقة الخلق، واللَّه أعلم.

ثم يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)، أي: أحكم وأتقن؛ على ما ذكر: وهو (أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، أي: جعل في كل شيء أثر شهادة وحدانية اللَّه وربوبيته.

أو (أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) لما ذكر أنه خلفهم وخلق آباءهم الأولين، وأنه ربهم ورب الخلائق، فقالوا: من أحسن الخالقين؛ فعند ذلك أذكر، ما ذكر ونعته: (اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) ثم أخبر عنهم أنهم كذبوه مع ما ذكر لهم، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) ولم يذكر في ماذا؟ لكن فيه بيان أنهم لمحضرون النار والعذاب؛ لأن أهل اللذات هم المحضرون أنفسهم وأهل العذاب يحضرون كرهًا لا بأنفسهم؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ)، وقوله: (وَيَصْلَى سَعِيرًا)، ونحوه، ثم استثنى العباد المخلصين منهما أنهم لا يحضرون النار.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (١٣٠)

هو ما ذكرنا أنه أبقى لهم الثناء الحسن ومن أهلك إنما أهلك بتكذيب الرسل وعنادهم، ومن نجا منهم إنما نجا بتصديقهم والإجابة لهم وإياكم وتكذيب مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فينزل بكم كما نزل بأُولَئِكَ.

* * *

قوله تعالى: (وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)

وقال - عَزَّ وَجَلََّ -: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧)

أي: على من هلك من مكذبي الرسل بالليل والنهار، فتعلمون أنهم إنما أهلكوا بالتكذيب للرسل.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٣٨)

وتعتبرون وتمتنعون عن تكذيبه، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>