وبين الولي والعدو، والعقل يوجب التفرقة بينهما، فهو بإنكاره البعث كابر عقله وعانده، فما أشد كفر من هذا وصفه.
ثم قوله - تعالى -: (مَا أَكْفَرَهُ) أي: أي شيء أكفره؟ فيكون في ذكره تعجيب لمن آمن من الخلائق وتذكير لهم عن سوء من هذا فعله وسوء معاملته مع ربه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ ... (١٩) فكأنه قال: إن الذي كفر قد علم أنه خلق من نطفة، وتلك النطفة موات، لا سمع فيها ولا عقل، ولا شيء من الجوارح، ثم اللَّه تعالى بلطفه وعجيب حكمته دبر فيها بصرا يرى بفتحة واحدة، وفي أدنى وهلة مسيرة خمسمائة عام، وقدر فيها عقلا يرى به ملكوت السماوات والأرض، وقدر فيها السمع، والبصر، وغيرهما من الجوارح، أفترى أن من بلغت قدرته هذا يعجز عن إحياء من أماته وعن بعثه بأقل من لحظة.
أو يكون قوله:(مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) تعريفًا منه أنه خلقه من نطفة، ويكون في ذكره ما ذكرنا من الفوائد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدَّرَهُ)، أي: سواه على وجه يكون فيه دلالة ربوبيته وشهادة وحدانيته.
أو قدره على ما فيه صلاحه ومنفعته.
أو قدره على ما يشاء من القصر والطول، والدمامة والملاحة، وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) يحتمل أن يكون المراد من السبيل الدِّين، فكأنه يقول: يسر له سبيل درك ذلك السبيل إلى اللَّه - تعالى - على ما ذكرنا أن الدِّين إذا أطلق أريد به دين اللَّه تعالى، وكذلك الكتاب المطلق يراد به كتاب اللَّه تعالى؛ فعلى ذلك: السبيل إذا ذكر مطلقا كان منصرفا إلى سبيل اللَّه تعالى.
أو يسر له السبيل: سبيل الهدى، وسبيل الضلال، والسبيل الذي لو سلكه نفعه، والسبيل الذي يضره.
أو يسر له السبيل الذي علم اللَّه أنه يختاره؛ كقوله - تعالى -: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى. . .).
أو يسر عليه سبيل الخروج من بطن أمه على ضيق ذلك الموضع وكبر جثته؛ ليعلموا أن من بلغت قوته هذا فهو قادر على ما أراد، لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه أمر.