اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ:(وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) أنه على الابتداء؛ يبعثهم اللَّه ثم إليه يرجعون. وقال قائلون: أراد بالموتى الكفار، سمي الكافر ميتًا والمؤمن حيًّا في غير موضع من القرآن؛ كقوله:(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ)، فهو - واللَّه أعلم - أن جعل لكل بشر سمعين وبصرين وحياتين؛ سمع أبدي في الآخرة، وبصر أبدي في الآخرة؛ وكذلك جعل لكل أحد حياتين: حياة أبدية في الآخرة، وحياة منقضية وهي حياة الدنيا؛ وكذلك سمع أبدي وهو سمع الآخرة، وسمع ذو مدة لها انقضاء وهو سمع الدنيا، ثم نفى السمع والبصر والحياة عمن لم يدرك بهذا السمع والبصر والحياة التي جعل له في الدنيا،
ولم يقصد سمع الأبدية وبصر الأبدية والحياة الأبدية؛ لأنه إنما جعل لهم هذا في الدنيا؛ ليدركوا بهذا ذاك؛ وكذلك العقول التي ركبت في البشر إنما ركبت ليدركوا بها ويبصروا ذلك الأبدي، وإلا لو كان تركيب هذه العقول في البشر لهذه الدنيا خاصة، لا لعواقب تتأمل للجزاء والعقاب - فالبهائم قد تدرك بالطبع ذلك القدر، وتعرف ما يؤتى ويتقى، وما يصلح لها [ .... ]؛ فدل أن تركيب العقول فيمن ركب إنما ركب لا لما يدرك هذا؛ إذ يدرك ذلك المقدار بالطبع من لم يركب فيه وهو البهائم التي ذكرنا.
والسمع والبصر والحياة قد جعلت في الدنيا لمعاشهم ومعادهم؛ وكذلك جعل لهم