وكابروا واستكبروا ولم يخضعوا له؛ أنفا واستكبارًا؛ أو لا ترى أنه إذا قرع أسماعهم قوله:(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، وقوله:(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ. . .) الآية، لا يحتمل ألا يدبروا فيه؛ دل أنهم قد تدبروا فيه وعرفوه، إلا أنهم تعاندوا وكابروا واستكبروا؛ أنفا منهم واستكبارا واستنكافا عن اتباعه والخضوع له.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ:(إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ)، أي: يستغيثون، قال: وأصله من الصياح.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(يَجْأَرُونَ): يصرخون.
وقيل: يصيحون.
وقيل:(سَامِرًا تَهْجُرُونَ) ما ذكرنا من الحديث بالليل، (تَهْجُرُونَ)، أي: تهذون كما يهذي النائم والمريض الشديد المرض.
قال: وأهجر يهجر، من الهُجْر: وهو الفحش، وَهَجَّر يُهجِّر: إذا سار في الهاجرة، وهي شدة الحر.
وقوله:(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ): قد ذكرنا أنه يخرج على وجهين:
أحدهما: على ترك التدبر فيه والتفكر، والإعراض عنه، أي: لم يدبّروا فيه، ولم يتفكروا.
والثاني: على إيجاب حقيقة التدبر فيه والتفكر، أي: قد تدبروا فيه، وعرفوا أنه منزل من اللَّه، لكنهم تركوا متابعته؛ عنادا وتمردًا وإشفاقًا على ذهاب رياستهم، وطمعًا في إبقائها ودوام مأكلتهم، فأي الوجهين كان، ففيه لزوم حجج اللَّه وبراهينه على من جهلها ولم يعرفها؛ بالإعراض عنها وترك التدبر فيها، حيث استوجبوا عذاب اللَّه ومقته لجهلهم بها: بترك التدبر فيها بعد أن كان لهم سبيل الوصول إلى معرفتها.
وظاهر قوله:(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا) استفهام، إلا أنه في الحقيقة: إيجاب لها؛ لا يجوز أن يستفهم اللَّه أحدًا؛ فهو على الإيجاب لأنه علام الغيوب.
وقوله:(أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) أي: قد جاءهم ما جاء آباءهم الأولين من