أحدهما: أتقن وأحكم فيما به من المصالح والمعاني، وفي كل شيء من التسوية والتفرد وفي الجمع والتصوير.
والثاني: أحسن، أي: أتقن وأحكم كل شيء خلقه في الشهادة على وحدانية الله وألوهيته، أي: جعل في كل أثر وحدانيته يشهد على وحدانيته وربوبيته.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) لم يخلق الإنسان في خلق البهائم وصورتها ولا البهائم في خلق الإنسان.
وقتادة يقول: كل شيء من خلقه حسن على ما خلق وعلم كيف يخلقه، وهو قريب مما ذكرنا بدءًا.
ثم من قرأه:(خَلْقَهُ): بالجزم يكون معناه - واللَّه أعلم - أي: أحسن خلق كل شيء ومن قرأه (خَلَقَهُ) بالتحريك، أي: أحسن كل شيء منه وخلقه.
ثم للمعتزلة في هذه الآية أدنى تعلق يقولون: أخبر أنه أحسن كل شيء خلقه، والكفر وشتم رب العالمين ونحوه - كله قبيح وسفه؛ دل أنه لم يخلقه، وأنه ليس بخالق لذلك.
يقال لهم: إخوانكم الزنادقة يعارضونكم ويقولون: إن الخنزير والنجاسات، وجميع السباع الضارة والمؤذية، وجميع الخبائث كلها قبيحة، اللَّه ليس بخالق لها؛ فبم تدعون قولهم وسؤالهم في ذلك؟
فإن زعمتم في الأول في الكفر والشتم وجميع فعل الشرور: أنه ليس بخلق له؛ لأنه قبيح ضار مؤذ - يلزمكم مذهب الزنادقة فيما يقولون ويذكرون في إثبات خالق سراه؛ لأف قبيح ضار مؤذ.
ويقال لهم: إن اللَّه - جل وعلا - سمى إبليس: باطلا؛ فهو إذن لم يخلقه؛ لأنه أخبر أنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا.
ثم يقال لهم: إنا نقول: إنه خلق فعل الكفر من الكفرة قبيحًا، وخلق فعل الكفر والشتم من الشرير والشاتم قبيحًا، خلق فعل الشر على ما هو وعلى ما عرفه؛ فلا عيب يلحقه في جعل ما هو قبيح قبيحًا؛ كمن يعلم الكفر ليعلمه قبيحًا على ما هو، وكذلك جميع الشرور؛ فعلى ذلك ليس في خلق ما هو قبيح في نفسه قبيحًا - عيب؛ على ما لم