فإن قال قائل: ما معنى قوله - سبحانه وتعالى -: (فَزَادَهُمْ إِيمَانًا) على أثر قوله - عز وجلَ:(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا)، وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان، وليس كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)؛ لأنها حجج، والحجج تزيد التصديق، أو تحدث، أو تدعوا إلى الثبات على ذلك؛ فيزيد الإيمان؛ فقولهم: اخشوهم، كيف يزيد؟ قيل: يخرج ذلك - واللَّه أعلم - على وجوه:
أحدها: أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق، وأنهم يخوفون بذلك، وقد كان وعدهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بصنيعهم، فكذبوهم بذلك، وأقبلوا نحو أمر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إجابة لأمره؛ وتصديقا بوعده، ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم؛ فكان ذلك منهم - عند ذلك - زائدًا في إيمانهم مع ما في تكذيبهم؛ ذلك نحو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. . .)، الآية: إنه إذا زاد بتكذيب آيات الله رجسًا؛ فمثله تكذيب المكذب بالآيات؛ لذلك يزيد إيمانًا، واللَّه أعلم.
والثاني: أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أخبرهم بتفرق أعداء اللَّه، وتشتت أمرهم، وأخبرهم المنافقون بالاجتماع؛ فصاروا إلى ما نعتهم به رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فوجدوا الأمر على ما قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وذلك من أنباء الغيب، والإنباء عن الغيب، من أعظم آيات النبوة؛ فزادهم ذلك إيمانًا، واللَّه أعلم، وذلك، قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ. . .) الآية.
والثالث: لم لما يغتروا بقول المنافقين، ولا قصدوا لذلك، ولا ضعفوا؛ فأنزل اللَّه -