للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تدبير سوى الأمر، ولا صُنْع، وقد أحث أن يحمد عليه بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وبقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)، وقولهِ - تعالى -: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ)، في غير موضع من القرآن، ولا قوة إلا باللَّه.

* * *

قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩)

قال اللَّه - تعالى -: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ):

امتدح - جل ثناؤه - بإدخال كلية الأشياء تحت قدرته، وبه خَوَّفَ من عاند نعمته، وأطمع من خضع له عظيم ثوابه؛ فلئن جاز إخراج شيء تحت القدرة عن قدرته، لاضمحل الخوفُ عما خوَّفَهُ، والرجاءُ فيما أطمعه؛ إذ لم يظهر على ذلك قدرته إلا بقوله: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وما لا صنع لأحد في شيء إلا بأقداره، ومحال أن يقدر على ما لا يقدر هو عليه، أو يزول به قدرته؛ لما فيه ما ذكرت؛ فلذلك قلنا في بطلان قول المعتزلة بإخراج أفعال صنع الخلق عن قدرة اللَّه، وامتناعه عن تدبيره، ولا قوة إلا باللَّه.

قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ). .) إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)

نقول - وباللَّه نستعين -: أخبر اللَّه - تعالى - أن فيما ذكر آيات لمن ذكر، ومعلوم أن الآيات إنما احتيج إليها لمعرفة أمور غابت عن الحواس، يوصل إليها بالتأمل والبحث عن الوجوه التي لها جعلت تلك الأشياء المحسوسة، التي يغني من له اللب دخولها تحت الحواس - عن تكلف العلم بها بالتدبير، بل علم الحواس هو علم الضرورات وأوائل علوم البشر الذي منه يرتقي إلى درجات العلوم؛ فيلزم طلب ذلك؛ فيبطل به قول من قال: العلوم كلها ضرورات لا تقع بالأسباب، ولا يلزم الخطاب دون تولى الرب إنشاءَ العلم في القلوب بحقيقه ما فيه الخطاب؛ إذ ذلك يرفع حق الطلب، ويستوفي فيه الموصوف باللبِّ وغير الموصوف، والمتفكر في الأمر وغير المتفكر، وقد قال اللَّه - تعالى -: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. . .) الآية، وفي ذلك دليل أن المقصود مما أظهر ليس هو ما أظهر، إذ لزم التفكر بالذي أظهر؛ ليوصل به إلى العلم بالذي له أنشأ الذي أظهر، ويعلم ما جعل في الذي دليله وعلمه، وهذا لكل أنواع العلوم أن منها ظاهرًا مستغنيا بظهوره عن الطلب، وخفيًّا يطلب بما له في الذي ظهر من أثر ينبئ عنه التأمل،

<<  <  ج: ص:  >  >>