للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حرم ذلك الجمع حرمة أيدية ما ينبغي أن يجعل بما يذكر، وسبيل الحظر بالقلب، واللَّه أعلم.

وليس أمر الابن والأب هذا؛ إذ إليهما في الابتداء الاختيار والإيثار، وكل يؤثر الذي له على الذي هو لغيره، وفي النساء إنما يجب بعد الخطاب، وليس منهن عرض، لذلك لم يعتبر حالهن على أن الأمهات في العرف يؤثرن لَذَّات بناتهن على لَذَّاتهن؛ فلا يلحقهن في الفراق لأجل البنات غضاضة، ويلحق للبنات، فلذلك فرق.

وأمَّا بعد الدخول فهو موجب الحرمة، لا من حيث الإيثار؛ إذ من جهة حرام أو حلال يوجب ذلك؛ فلذلك اختلف الأمر أن قال بشر: دل تخصيص ذكر الأصلاب في حلائل الأبناء على رفع حرمة الرضاع، أو على ألا يكون الابن إلا من الصلب، ونحن نقول: لا دلالة فيه على ما ذكرنا، لو استدل به على الكون كان أقرب؛ إذا خص ذكر الأصلاب ولو لم يكن الابن إلا من الصلب لكان القول بحلائل أبنائكم كافيًا عن ذكر الأصلاب، مع ما فيه وجوب الإلحاق بقوله: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ. . . "، ومعلوم أن الحرمة من الولادة تلحقه وإن لم يكن منه حقيقة الولادة بما كان سببًا له، فكذلك يصير مرضعًا لما كانت هي مرضعة، وإن لم يكن منه حقيقة الإرضاع؛ لما كان هو سبب لما به ورود اللبن، وأيد ذلك أمر حلائل أبناء الأبناء، بل حلائل أبناء البنات، وإن لم يكونوا للصلب؛ للاتصال به بالنسب على البعد عما ذكرنا أحق، واللَّه أعلم، مع ما يجوز أن يقال: صار الرضاع ولادًا في الحكم بالخبر؛ فيصير للصلب بالحكم نحو قوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ).

ثم قد يعتبر فيهم الولاء في الحجاب؛ لما جاء: " إِنَّ الوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ "، ويصير ذو نسب ورحم في الحكم ما ذكر من الخبر، فمثله الأول، مع ما قد قيل: إن فائدة ذكر الصلب ألا تتحقق حرمة حلائل أبناء التبني بالأصلاب؛ ولذلك قال - واللَّه أعلم - (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ)، وقوله - تعالى -: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) إلى قوله - تعالى -: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ)؛ إذ يحتمل الجمع في العقد، والجمع في الملك، والجمع في الاستمتاع ويحتمل الجمع في جنس الاستمتاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>