للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت خشية العنت تصير سببًا للحل في شيء لكان ملك الحرة التي هي عنه غائبة؛ إذ لم تصر الضرورة مبيحة، فإذن بأن أن الحرمة لنفس النكاح في الوجود والحل لعدمه لا للسبيل إلى ذلك وغير السبيل.

ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) إنما هو الضيق؛ كقوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ)، أي: يضيق عليكم مخالطة الأيتام.

أو الإثم؛ كقوله - تعالى -: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ)، وكل رجل فيه وسع الاستمتاع فهو يخشى الإثم، فيجيء أن يباح له على كل حال، أو يرجع إلى الضيق؛ فيكون المقصود منه الإمساك دون العقد، واللَّه أعلم.

ثم خشية الزنا يحتمل أن يصير شرطًا للحل، وقد حصل له عقوبة، فيها أبلغ الزجر لمن عقل من: رجم أو حد، بل يفرض عليه اتقاء ذلك بكل وجوه الإمكان، ومعلوم أن اللَّه قد جعل عنه بغير النكاح سبيلا في الاستمتاع، أيضًا، وقد جاء -أيضًا- الأمر بالصيام بأنه له وجاء، فإنما خشية ذلك خشية حظر، لا حقيقة، فلم يجز أن يجعل عذرًا لرفع الحرمات ولقدر عليه بالمباح من الصيام.

القول في قوله: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ) الآية، نقول - وباللَّه التوفيق -: تحتمل الآية وجهين:

أحدهما: طول عقد النكاح أمن ملك المهر. والثاني: طول إمساك الحرة؛ للاستمتاع من النفقة والكسوة والمسكن، وهذا الوجه أحق؛ لأوجه: أن طول عقد النكاح، مذكور -أيضًا- في نكاح الأمة، بقوله: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ومعلوم وجود الحرة بالمهر الذي يوصف في المعروف من المهور، بل لعل ذلك في الحرائر أوجد؛ إذ قد جاز نكاح الحرائر بالأشياء الضعيفة، ومعروف وجودهن في كل عصر بدون ما يوجد من مثله الإماء، فمحال أن يشترط في نكاح الإماء عدم ما لا يوجد السبيل إليه إلا بوجود

<<  <  ج: ص:  >  >>