للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واليتامى، والمساكين. . . إلى آخر ما ذكر، لكن المعنى الذي به أمر بالإحسان إلى هَؤُلَاءِ الأصناف والفرق مختلف: أما إحسان الوالدين:

تَشَكُو لهما بما أحسنا إليه وربياه صغيرًا؛ كقوله: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ. . .) وقوله - تعالى -: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ. . .) الآية (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) يذكر حال صغره وضعفه أن كيف ربياه، ويشكر لهما على ذلك، ويحسن إليهما كما أحسنا إليه وربياه صغيرًا، وقال اللَّه، - عَزَّ وَجَلَّ -أيضًا-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا)، فإحسان الوالدين جزاء وتشكر لما أنعما هما عليه، وذلك يكون من جانب الولد؛ لأن مثله لا يلزم الوالدين لولده، وذلك فرض على الولد، حتى عد عقوق الوالدين من الكبائر؛ روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " أَكْبَرُ الكَبَائِرِ: الإشْرَاكُ باللَّهَ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ".

والواجب على الرجل أن يطيع والديه وكل واحد منهما؛ إلا أن يأمراه بمعصية، أو ينهياه عن أداء فريضة، أو تأخيرها عن وقتها، فإن طاعتهما - حينئذٍ - معصية لله، ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، أمره بمصاحبتهما بالمعروف إلا أن يأمراه بمعصية؛ ولهذا قال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: لا ينبغي للرجل أن يقتل أباه الكافر إذا كان محاربًا؛ إلا أن يضطره الأب إلى ذلك؛ لأنه قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) فمن المعروف في الدنيا ألا يقتله، ولا يشهر عليه السلاح.

وقالوا أيضا: إن مات أحدهما تولى دفنه، وذلك من حسن الصحبة والمعروف.

روي أن أبا طالب لما مات قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعليٍّ: " اذْهَبْ فَوَارِهِ ".

ثم في هذه الآية تسوية بين الوالدين فيما أمر له من الإحسان إليهما، ولم يجعل للأب فضلا في ذلك على الأم؛ فذلك يدل على أن إسلام كل واحد من الأبوين إسلام للصغير؛ إذ كان الإجماع قائمًا في أن إسلام الأب إسلام لولده الصغار، وكذلك قول

<<  <  ج: ص:  >  >>