وتأويل آخر: أن تكون الآية في المنافقين: أنه يظهر عليهم النفاق وقت المحنة بالجهاد دون غيره من العبادات، قال اللَّه - تعالى -: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ. . .) الآية، بين ما نزل بالمنافقين، وكذلك قوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ. . .) الآيات، - واللَّه أعلم - فيمن نزلت الآية، لكنها معلوم أن فيها ترغيبًا فيما عند اللَّه، وتزهيدًا في الدنيا، ودعاء إلى الرضا بحكم اللَّه - تعالى - فيما خف وثقل، واللَّه المستعان.
وعلى التأويل الآخر: جميع ما ذكر ظاهر في المنافقين، مذكور ذلك في الآيات التي ذكرتها، وفيهم قال اللَّه - تعالى -: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ. . .) الآية، وغير ذلك مما دل على إنكارهم، وفضل خوفهم في ذلك، واللَّه أعلم.
فإن قال قائل: كيف قال اللَّه - تعالى -: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) وقد هلك به أكثر البشر؟
قيل: قد يخرج على وجوه - واللَّه أعلم -:
أحدها: أنه يضعف كيده على من تعوذ باللَّه - تعالى - كقوله - تعالى -: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ. . .) الآية، وإنما يقوى على من جنح له، ومال إلى ما دعاه إليه؛ كقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. . .) الآية إلى قوله - تعالى -: (ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ).
والثاني: أن يكون ضعيفا على المقبل على ربه، والذاكر له في أحواله، والمفوض أمره إلى ربه، فأما من تولاه وأقبل على إشارته فهو الذي جعل له السلطان على نفسه بما آثره في شهواته، ومال به هواه، وهو كقوله - تعالى -: (لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا. . .) الآية، وقد سماه اللَّه - تعالى -: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)، بما يخنس بذكر اللَّه - تعالى - ويوسوس عند الغفلة عن اللَّه، فكان سلطانه به، واللَّه الموفق.
والثالث: أنه لا يملك الجبر والقهر ولا اكتساب الضرر في الأبدان والأموال، فهو ضعيف، واللَّه أعلم.
والرابع - واللَّه أعلم -: أن يكون كان ضعيفا، أي: صار ضعيفا عند نصر اللَّه ومعونته، واللَّه أعلم.
ويحتمل: كان ضعيفا لو ظهر، حتى يعلم أنه شيطان، لكن قوى بما لا يعلم المغرور أنه كيده وتغريره، واللَّه أعلم.