للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله -أيضًا- (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ظاهر مكشوف، حقيقته أنه يطيعه لطاعة اللَّه؛ إذ الأمر يطيعه على أنه يدعوه إلى طاعته، وطاعته إجابته له بما يطيع اللَّه به، وحكمته أنه لم يجعل مسلك الطاعة عبادة وإن كانت هي لله عبادة، ولا تجوز عبادة الرسول؛ فصير اللَّه - تعالى - طاعته عبادة لله - تعالى - فأعلم: أن الطاعة قد تكون غير مستحقة لاسم العبادة؛ إذ قد يسمى لا من ذلك الوجه، ولذلك جاز القول بمطاع في الخلق، ولا يجوز بمعبود، واللَّه أعلم.

وأيضا: فيه شهادة له بالعصمة في كل ما دعا إليه وأمر به، وإلزام للخلق بالشهادة له بالصدق في ذلك والقيام به، أكد بقوله - تعالى -: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ. . .)، وبقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ. . .) الآيتين جميعًا، وذلك الإباء على لزوم طاعته أخوف مخالفة العذاب الأليم، وأزال عن الواجد في نفسه من قضائه الحرج الإيمان، ثم ليست طاعته في فعله خاصة، أو قول ما يقوله، ولكنها بوجهين:

أحدهما: اعتقاد كل فعل وقول على ما عليه عنده من خصوص، أو عموم، أو إلزام، أو آداب، أو إباحة، أو ترغيب. والثاني: في الوفاء بالذي منه المراد فيه من أن يفعل كفعله أو يتقي ذلك، أو يستعمله في حق الإباحة، أو ما أراد من محله فيه، يعرف موقع كل من ذلك بالأدلة، ولا قوة إلا باللَّه.

وقول من يقول: لا يلزم طاعته في فعله أو يلزم، كلام بهذا الإطلاق لا معنى له.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)

في أعمالهم وأفعالهم، فإنما عليهم ما عملوا وعليكم ما عملتم، ما تسأل أنت عن أعمالهم، ولا يسألون عما فعلتم، واللَّه أعلم.

ويحتمل قوله: (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) يطلع على سرائرهم، إنما عليك أن تعاملهم على الظاهر، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>