للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما يكن من أمر، فإن المذهب الأشعري نفسه قد تطور بعد وفاة رائده الأول أبي الحسن على يد الأشاعرة المتأخرين الذين كانوا في آرائهم ومنهجهم أدنى إلى المعتزلة، من حيث الاعتماد على العقل في الاستدلال والاستنباط، وإن كانوا لا يردون الشرع ولا يهملونه؛ لأنهم يرون أن الشرع حجة اللَّه والعقل حجة اللَّه، وحجج الله تتعاضد ولا تتعارض.

ويبدو قرب منهج الأشاعرة المتأخرين من منهج المعتزلة في موقفهم من الدليل السمعي والشروط التي وضعوها له، والتي من أهمها ما يلي:

أولًا: أن يكون غير مستحيل في العقل، وهذا يتفق مع قولهم: إن العقل والشرع حجتين لله تعالى، وحجج اللَّه تتعاضد ولا تتعارض؛ فلا يوجد في نظرهم دليل سمعي قطعي مستحيل في العقل.

ثانيًا: أن يكون قطعي الثبوت؛ ولذلك فأخبار الآحاد لا يؤخذ بها في العقائد؛ لأنها ليست قطعية الثبوت.

ثالثًا: أن يكون قطعي الدلالة، فإذا كان السمعي قطعي الثبوت، ولكنه يحتمل التأويل، كان غير قطعي الدلالة.

بعض آراء الأشعري:

رأينا أن نختم حديثنا عن المذهب الأشعري، بأن نذكر طرفًا من آراء أبي الحسن وشيعته في بعض مسائل الاعتقاد، والتي كانت ثمرة من ثمار المنهج الذي اصطنعوه، من أجل أن يكون تصور القارئ عن هذا المذهب أدنى إلى الكمال وأقرب إلى الوضوح.

١ - اقترب الأشعري في بحثه لصفات اللَّه تعالى من أهل السنة إلى حد بعيد، حيث أثبت لله الصفات جميعًا بقسميها أي الصفات السلبية والصفات الثبوتية كالعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات، بيد أنه لم يقف عند هذا الحد، بل تابع البحث في الصفات بحثًا عقليًّا فانتهى إلى ما يلي:

أولًا: أن الصفات زائدة على الذات، وليست عين الذات كما يرى المعتزلة، ويرى الأشعري أن هذا التصور لصفات اللَّه لا يترتب عليه تصور التعدد أو التركيب في ذات اللَّه، والدليل على صدق كلامه زيادة صفات الإنسان على ذاته دون أن تؤدي إلى تعدد في

<<  <  ج: ص:  >  >>