للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حسنات يقابل به، يبدل اللَّه بفضله - سيئاته حسنات، كقوله - تعالى -: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ).

ثم الدليل أن الآية فيمن قتل مسلمًا لدينه، قاصدا لنفسه دون دينه - قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)، وإنما يكتب عليهم إذا كان القتل قتل عمد، وأبقى لهم بعد القتل اسم الإيمان، ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)؛ فأبقى لهم اسم الإخوة، ثم قال: (ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) أطمعه في رحمته - عَزَّ وَجَلَّ - وبعيد أن يكون له مع هذا خلود في النار؛ فدلت الآية على بقاء اسم الإيمان، وعلى رجاء الرحمة، وهما معنيان ينقضان قول المعتزلة؛ حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار، ولأنه - تعالى - قال: (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا) ولم يقل: يجزيه، وله أن يتفضل بالعفو عنه، على ما وصفنا، وبالله التوفيق والنجاة.

وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في تأويل الآية ما يؤيد ما قلنا: روي عنه أنه قال في قوله: (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ)، قال: هي جزاؤه، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " كَانَ فِيمَنْ قَبلَكُم رَجُل قَتلَ تسعًا وَتِسعِينَ نَفْسا، فسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ؛ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِني قَتَلْتُ تِسعَة وَتِسعِينَ نَفْسًا بِغَيرِ حَق؛ فَهَلْ لِي مِنْ تَوبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، ثُمَّ سَألَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَ عَلَى رَجُلٍ، فَأتاهُ فَقَالَ: إِني قَتَلْتُ مِائةَ نَفْسٍ بِغَيرِ حَق؛ فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؛ قَالَ: نَعَم، وَمَنْ يَحُولُ بَينَكَ وَبَيّنَ التوبَةِ؟! انْطَلِقْ إِلَى أَرضِ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنَّ فِيهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدْهُ مَعَهُم؛ فَانْطَلَقَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ نِصْفَ الطرِيقِ أَتَاهُ الْمَوتُ، فَاخْتَصَمَ مَلَائِكَةُ الرحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الَعَذابِ، فَأتاهُم مَلَكٌ، فَجَعَلُوهُ حَكَمًا بَينَهُم، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَينَ الْأَرضينِ، أَيهُمَا كَانَ أَدْنَى وَأَقْرَبَ فَهُوَ لَهُ؛ فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى لِلْأَرْضِ التِي أَرَادَ؛ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرحْمَةِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>