للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفرض بعد الصدقة التي تصدق اللَّه بها علينا؛ فكل واحد من الخبرين موافق لصاحبه؛ أعني خبر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع ما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما - قال: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، يسافر من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا اللَّه، يصلي ركعتين. وهذا يؤيد حديث عمر - رضي اللَّه عنه -: " صَدَقَة تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيكُم "؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان لا يصلي وهو آمن ركعتين مع شرط اللَّه الخوف؛ إلا وقد رفع اللَّه شرط الخوف عن المسافر.

وقال قوم: إن التقصير في السفر، والحضر هو الإتمام. واحتجوا بقول اللَّه - تعالى -: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) قال: فرفع الحرج عن المقصر، ولو كان التقصير حتمًا لكان قال: وعليكم جناح ألا تقصروا من الصلاة إن خفتم ولكن الأمر ليس كما توهموا؛ وذلك أنا قد ذكرنا أن النص في القصر إنما جاء في حال الخوف، وأما حال الأمن فلا نص فيما يوجب القصر؛ وإنما جاز القصر من الصلاة في حال الأمن؛ لقول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " صَدَقَة تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيكُم "، وتقصيره في حال الأمن، ومحال أن يتصدق اللَّه بالركعتين علينا.

ويقول قائل: فرضها قائم؛ فأين موضع الصدقة؟! إذ لو كان الأمر على ما ذكرنا فما معنى قول عمر - رضي اللَّه عنه -: " إن صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر؛ على لسان نبيكم "؛ لأنه - واللَّه أعلم - جعل الصدقة من اللَّه بذلك مزيلة للفرض في الركعتين بعد الركعتين؛ فبقيت الركعتان تمامًا، إذا كانتا فرض المسافر؟ مع ما روي أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سافر أسفارًا كثيرة، فلم يرو عنه أحد أنه أتم الصلاة في شيء من الأحوال في سفره، وكلٌّ روي أنه - عليه السلام - كان يصلي ركعتين ركعتين؛ فلو كانت الفريضة أربعًا، والقصر رخصة - لأتم في وقت؛ وقصر في وقت، ألا ترى أن الإفطار في السفر لما كان رخصة غير حتم - أفطر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في أوقات وصام في أوقات؛ فدل ذلك أن فرض المسافر ركعتان غير قصر.

وروي عن ابن عمر - رضي اللَّه عنه - قال: صليت مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمنى ركعتين، ومع أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - ركعتين، ومع عمر - رضي اللَّه عنه - ركعتين،

<<  <  ج: ص:  >  >>