يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، وهذا حرف لا يستعمل في موضع الأمر والإيجاب، واللَّه أعلم.
وسلَّم قوم لهم هذا المعنى في الآية، وردوا القصر إلى أقصر للخوف، يلحق عند الضرب في الأرض، وإذن كان على وجهين:
أحدهما: في بيان المراد في قوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا)، أنه:
ليس على تمام المعروف من الصلاة؛ لكن على القصر على الحد الذي ينتهي إليه الخوف من أمر القبلة، أو ترك القيام والركوع والسجود، وإلى الإيماء والقعود، واللَّه أعلم.
والثاني: ما في قوله: (وَإذَا كُنتَ فِيهِم. . .) الآية، وإنما يذكر ذلك في أحوال لهم الانفراد وهو أحوال السفر، ومعلوم أن ذلك في حق قصر الاقتداء فكأنه قال:(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) في الاقتداء به، وإن قصرتم في الاقتداء عن تمام حقه من الجماعة، وكذلك إصابة الكل أفضل؛ فبين أن ارتفاع ذلك لا يمنعكم الاقتداء، ولا يلزمكم نصب إمام آخر؛ لثؤدوا جميع الصلاة في الجماعة، وأيد الوجهين قوله - تعالى -: (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا). . . إلى قوله تعالى:(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ)؛ فالقصر في السفر على ما عليه، ليس للخوف؛ وأيد ذلك ما التبس على عمر - رضي اللَّه عنه - حتى سأل عن ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال:" صَدَقَة تَصَدقَ اللَّه بِهَا عَلَيكُم فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ "، بمعنى: حكم حَكَمَ اللَّه عليكم في أن لم يفرض عليكم في السفر غير ركعتين، هو من جميع المذكور عن اللَّه من العفو؛ فهو في الإسقاط، وأيد ذلك ما كان يقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد ذلك:" صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ". فعلم أن ذلك ليس في حق الآية؛ لكن في ابتداء الشرع، وعلى ذلك المروي بأن الصلاة كانت في الأصل ركعتين، فزيدت في الحضر وأقرت في السفر، وإلى هذين التأويلين يتوجه قول أصحابنا، رحمهم اللَّه.