دل هذا على أن النهي في قوله:(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) أي: أخذ الصيد واصطياده في الإحرام، لا أكله، وهو إباحة ما حُظر عليهم بالإحرام، وإن كان ظاهره أمرًا، ومعناه: فإذا حللتم لكم أن تصطادوا.
وأصله: أن كل أمر خرج على أثر محظور فهو أمر إباحة وإطلاق ذلك المحظور المحرم، لا أمر إلزام وإيجاب؛ من نحو قوله - تعالى -: (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)، ثم قال:(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، وهو المحظور المتقدم، وقوله - تعالى -: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ)، ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا)، أمر إطلاق وإباحة ما حُظر عليهم، ومثله كثير في القرآن مما يكثر ذكره.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله:(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ): " ولا تاموا "، وكذلك في حرفه؛ " فأموا صعيدًا طيبًا ".
وقيل في قوله - تعالى -: (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا): حجهم؛ فلا يقبل عنهم حتى يسلموا؛ فنهى اللَّه - تعالى - رسوله عن قتالهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن الآية نزلت في رجل من أهل اليمامة يقال له: شريح، وذلك أنه أتى المدينة، فدخل على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال: أنت مُحَمَّد النبي؟ فقال:" نَعَم "، فقال: إلام تدعو؟ قال:" أَدْعُوا إِلَى أَنْ تَشهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأني مُحَمدٌ، رَسُولُ اللَّه "، فقال شريح: يا مُحَمَّد، هذا شرط شديد، وإن لي أمراء خلفي أرجع إليهم؛ فأعرض عليهم ما اشترطت عليَّ، وأستأمرهم في ذلك، فإن أقبلوا أقبلت، وإن أدبروا أدبرت فكنت معهم، ثم انصرف خارجًا من عند رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فلما خرج، قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " لقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي بِعَقِبَي غَادِرٍ، وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ بِوَجْهٍ كَافِرٍ، وَمَا الرجُلُ بِمُسلِمٍ " فمرَّ شريح