وعد له المغفرة والرحمة؛ إذا تاب عن الشرك، وأصلح ما كان يفسده ويرتكبه في حال الشرك، حتى لم يؤاخذ بشيء مما كان يرتكبه في حال الشرك ويتعاطاه إذا أسلم؛ ألا ترى أنه قال - تعالى -: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، والمسلم في حال الإسلام إذا ارتكب حدودا وتعاطاها، ثم تاب - أخذ بها؛ لوجهين:
أحدهما: أن الكافر لو أُخِذَ بعدما أسلم بما كان ارتكب في حال الكفر وتعاطاه؛ فذلك يمنعه عن الإسلام ويزجره؛ فإذا كان كذلك فكان في إقامة ذلك والأخذ بها من الفساد أكثر من الصلاح.
وأما المسلم إذا لم يؤخذ بما ارتكب وتعاطى بعد التوبة - يدخل في ذلك من الفساد ما يفحش؛ وذلك أنه كلما أريد أن يقام عليه الحد تاب فسقط ذلك عنه، ثم عاد ثانيًا، ثم ثالثا. . . إلى ما لا يتناهى، فعمل في الأرض بكل الفساد من غير أن لحقه ضرر؛ لذلك أخذ به بعد التوبة، والكافر لا، واللَّه أعلم.
والثاني: أن الكافر ما يرتكب ويتعاطى في حال الكفر - إنما يرتكبه تدينًا يدين به؛ فإذا رجع عن ذلك الدِّين ودان بدين آخر ما يكون ذلك حرامًا في دينه الذي تمسك به - ترك ما كان يرتكب في دينه الأول تدينًا؛ فيظهر ذلك منه؛ فلم يقم عليه؛ لما يظهر منه ترك ما تعاطى قبل ذلك.
وأما المسلم: فليس يتعاطى ما يتعاطى تدينًا يدين به؛ ولكنه يتعاطاه شهوة، وذلك مما لا يظهر منه التوبة حقيقة؛ لذلك اختلفا، واللَّه أعلم.
وفيه دليل جواز تأخر البيان؛ لأنه قال تعالى:(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً)، ولا يحتمل أن يبين له جميع شرائط السرقة التي يجب فيها القطع وقت قرع الخطاب السمع؛ فدل أنه إنما يبين له على قدر الحاجة بعد السؤال والبحث عنها، واللَّه أعلم.
وكان جميع ما ذكر من العقوبات إنما نزل في أهل الكفر؛ لأنهم هم الذين كانوا