للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك لا يجوز أن يفهم من إضافة اليد إلى اللَّه - تعالى - كما يفهم من الخلق؛ ألا ترى أنه قال: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ)، (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، لم يفهم منه اليد نفسها؛ وكذلك قوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)، لكن أضيف ذلك إلى اليد؛ لما باليد يقدم ويعطي ويكسب؛ ألا ترى أنه قال - تعالى -: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، ومعلوم أنه لم يفهم من اليد: اليد نفسها، ولكن أضيف ذلك إليها؛ لما ذكرنا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)

قيل: عذبوا بما قالوا: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)، واللعن - في اللغة -: هو الطرد؛ كأنه قال: طردوا عن رحمة اللَّه وأيسوا عنها حتى لا ينالوها أبدًا بقولهم الذي قالوا.

وقيل: فيه إخبار: أنهم يموتون على ذلك، ولا يؤمنون، فماتوا على ذلك؛ فذلك دليل رسالته، عليه الصلاة والسلام، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).

قيل فيه بوجهين:

قيل: يريد ما أنزل اللَّه إليك من القرآن، (كَثِيرًا مِنْهُمْ)، يعني: اليهود (طُغْيَانًا وَكُفْرًا).

وقيل: (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ): من البيان عما كتموا من نعته وصفته التي كانت في كتابهم، وما حرفوا فيه وغيروه من الأحكام؛ فذلك مما زادهم طغيانًا وكفرًا.

قيل: (طُغْيَانًا)، أي: تماديا بالمعصية، (وَكُفْرًا): بالقرآن.

وقيل: الطغيان: هو العدوان، وهو المجاوزة عن الحد الذي حد.

فَإِنْ قِيلَ: ما معنى إضافة زيادة الطغيان إلى القرآن، والقرآن لا يزيد طغيانًا ولا كفرًا؟:

قيل: إضافة الأفعال إلى الأشياء تكون لوجوه ثلاثة:

منها: ما يضاف لحقيقة الفعل بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>