عنه؛ فلذلك جعلت الأيمان لدفع التهم وتحقيق الأمر للخلق عن الحالفين، وأيد ذلك أوجه:
أحدها: ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:" إِذَا حَلَفْتُم فَاحْلِفُوا بِاللَّه "، وقال:" لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم وَلَا بِالطَواغِيتِ " فحذر الحلف بغيره بما فيه تعظيم ذلك ورفعه عن قدره، وألزم ألا يجعلوا لأحد ذلك القدر إلا لله تعالى.
والثاني: قوله: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) ولا يجوز أن ينهى عن الرجوع عن المعصية ويأمر بالوفاء بها.
والثالث: الأمر الظاهر عن نبي الرحمة لحلفه وقسمه في غير موضع، وما ذكر في قصة يعقوب وأولاده، وأمر إبراهيم - عليه السلام - في شأن الأصنام، وأمر أيوب - عليه السلام - لم يجز أن يكونوا عصاة بفعلهم، وذلك ينبئ عن جرأة من زعم أن الحالف عاص بما ترك الثنيا، ومن ذكرنا من الأنبياء - عليهم السلام - قد تركوا الثنيا، وليس ذلك كالوعد؛ لأنه إلى نفسه يضيف الفعل وهو يفعله، تحت مشيئة اللَّه - تعالى - وفي اليمين باللَّه يستغيث وإليه يرجع، فلذلك اختلف الأمران، واللَّه أعلم.
والدليل على أنها لم تجب باليمين قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَي غَيرَهَا خَيرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ بِالَّذِي هُوَ خَيرٌ، وَلْيَكَفر يَمِينَهُ "، أو قال:" فَلْيَكَفر يمِينَهُ، وَلْيَأتِ الَّذِي هُوَ خَيرٌ " ولو كانت الكفارة واجبة باليمين، لكان لا وجه للأمر بالذي يأتي وهي