للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأصل في ذلك أن الزكاة أوجبت في الأموال حقا للفقراء، ثم هي تخرج إلى من أوجبت لهم، فما لم يعلم من أوجبت له لم تخرج على مثل حقوق المواريث؛ للقرابة، وغير ذلك، والكفارات ليست بواجبة في الأموال تخرج، بل ينظر إلى وقت الدفع والقيام بالتكفير، فإن كانت له أموال دفعها منها، وإلا ليست عليه؛ فصارت الحقوق كأنها بالدفع تقع؛ إذ لو توهم وقت الوجوب له الغنى والفقر لكان الأمر لا يختلف، وإذا كان، كان كذلك، وله ابتداء التصدق عليهم بحق التطوع والنذور وغيرهما فيجوز فيهم، والزكوات؛ إذ الدفع منها تسليم إلى من كان له الحق، احتيج في ذلك إلى مبين ذلك، واللَّه أعلم.

وصدقة الفطر بحق إظهار السرور، ودفع السؤال؛ كما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " أغْنُوهُم عَنِ المَسألَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ " لا بحق ما كان جعل في ماله يخرج منه، بل بحق المعونة، وذلك لازم في العقول لكل سائل وبخاصة في الدفع إليهم؛ ليمتنعوا هم بما فيه سرور أهل الإسلام، واللَّه أعلم.

وأيضًا: إن الزكوات أوجبت في الابتداء حقا للفقراء؛ إذ اللَّه - سبحانه وتعالى - أخرج أرزاق الخلق أملاكا لبعضهم، وألزمهم تحمل كفاية من لم يملكهم أعين تلك الأموال؛ إذ لم يخلق ابتداء الخلق لهم الجملة.

وإذا كان محل الزكوات في الابتداء وجعل لأهلها بها الغنى، وأهل الكفر أبوا قبول الدِّين الذي ذلك حق جعل للمحتاجين في أموال الأغنياء، فلم يكن لهم في مذهبهم ذلك الحق، بل لو كان، كان في أموال أغنياء مذهبهم، ولأهل الإسلام أن ذلك الحق في أموال أغنيائهم، وكذلك من عليهم الحق قبلوه بالدّين لأهله لم يدخل في ذلك غيرهم.

ثم كانت الكفارات والنذور ونحوها ليست بمجعولة بالدّين لحق الفقراء، وإنما هي واجبة بتعاطي أرباب من لزمهم؛ ليتقربوا بها إلى ربهم، ويخرجوا بها مما جنوا على مذهبهم، وقد جعل ذلك في جملة الصدقات، وفي أنواع العبادات التي لا عبرة فيها لمنافع الخلق؛ فثبت أنها لم تجب لهم، وإنَّما الشرط عليهم فيها ما يكون عبادة وقربة إلى اللَّه تعالى، وقد جعل اللَّه - تعالى - في الدفع إلى مساكينهم قربة وعبادة، فجازت، وعلى هذا يخرج قولنا في العتق، على أن قولنا بجميع المخالفين لنا في هذا أولى؛ لأن مذهبهم

<<  <  ج: ص:  >  >>