للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت أنفسهم تحدث وتنازع في مشاهدة الآيات؛ فأحبوا أن يريهم بذلك؛ ليزداد لهم - طمأنينة ويقينًا وصلابة في التصديق، واللَّه أعلم.

والثاني: يحتمل أن يكون عيسى يخبرهم أن لهم كرامة ومنزلة عند اللَّه؛ فأحبوا أن يعرفوا منزلتهم عند اللَّه وكرامتهم.

والثالث: سألوا ذلك؛ ليعرفوا منزلة عيسى - عليه السلام - عند اللَّه وكرامته: هل يجيب ربه دعاءه إذا سأل ربه؟ واللَّه أعلم.

وإن كان السؤال من قوم غير الحواريين؛ فهو لما بدت لهم من الحاجة إليها، ولا نعلم ذلك إلا بالخبر الصادق.

وقوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) يقرأ بالياء والتاء جميعًا:

فمن قرأ بالتاء ذهب في التأويل إلى أن فيه إضمارًا؛ كأنهم قالوا: هل تستطيع أن تسأل ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء.

ومن قرأ بالياء قال: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ)، أي: هل يجيب ربُّك دعاءك إذا دعوته أن ينزل علينا مائدة من السماء.

قال الفراء: قد يكون مثل هذا السؤال على غير الجهل من السائل بالمسئول؛ لأنه يجوز أن يقال في الكلام: هل يستطيع فلان أن يقوم في حاجتنا وفي أمرنا، على علم منه أنه يستطيع، ولكنه يسأل عنه: أيفعل أم لا؟ وذلك جائز في العربية؛ ألا ترى أن قراءة من قرأ بالتاء - وهو ابن عَبَّاسٍ وعائشة: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) - على علم منهم أن عيسى يستطيع السؤال لربه؟! لكنهم قالوا ذلك لما ذكرنا، وذلك جائز في اللغة.

ويجوز أن يراد بالاستطاعة: الإرادة، يقول الرجل لآخر: لا أستطيع أن أنظر إلى فلان، وهو يقدر النظر، لكنه يريد بذلك: لا أريد أن أنظر إليه؛ فعلى ذلك قوله: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ): هل يأذن لك ربُّك بالسؤال في ذلك، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>